إسرائيل كنظام أبرتهايد: تآكل في شرعيتها وفي صورتها كضحية
“ما هو بالضبط غير الصحيح في تقرير الأبرتهايد؟ ألم يتم تأسيس إسرائيل على سياسة الحفاظ على هيمنة ديمغرافية يهودية، هل إسرائيل لا تقيم نظام قمع وسيطرة على الفلسطينيين في إسرائيل وفي “المناطق” المحتلة…؟ هل أوامر فتح النار ضد الفلسطينيين لا تعكس سياسة إطلاق النار من أجل القتل أو التسبب بإعاقة؟ هل إخلاء الفلسطينيين من بيوتهم وعدم إعطاء تراخيص بناء ليسا جزءاً من سياسة إسرائيل؟ أليس قانون القومية أبرتهايد؟ ومنع لمّ شمل العائلات؟ والقرى غير المعترف بها؟ والتهويد؟ هل يوجد مجال واحد في إسرائيل وفي “المناطق” فيه مساواة؟”.
هذا الكلام، ليس لكاتب فلسطيني أو عربي، وإنما هو للكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة إسرائيلية (“هآرتس”، 4/2)، المعروف بدفاعه عن حقوق الفلسطينيين، وهو يستنكر فيه إنكار إسرائيل السياسات التي تنتهجها إزاء الفلسطينيين، لمناسبة رد فعلها على التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، أخيراً، والذي وصم إسرائيل بالأبرتهايد. ووفقاً لتقرير “أمنستي” فإن إسرائيل هي دولة أبرتهايد، وتمارس ذلك بطريقة ممأسسة، وفقاً لمنظومتها القانونية، ضد الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية، أي أن ذلك لا يقتصر على فلسطينيي الأراضي المحتلة (1967)، وإنما يشمل أيضاً الفلسطينيين من مواطنيها (منذ قيامها عام 1948). وبحسب التقرير فإن “نظام الفصل العنصري (أبرتهايد) الإسرائيلي هو نظام قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية”، وهو يذكّر بدولة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا سابقاً، والتي تعرضت للعزلة والضغط الدوليين، وهو ما تطالب فيه منظمة العفو الدولية في تقريرها دول العالم من أجل الضغط على إسرائيل. وعدا حيثياته البالغة الأهمية، فإن مصدر خشية إسرائيل من هذا التقرير أنه صادر عن منظمة حقوقية دولية، وليس عن جهة فلسطينية أو عربية، أي إنه بات جزءاً من النقاش في الرأي العام العالمي، ما يؤشر الى انفتاح مسار يؤدي إلى تآكل شرعيتها، وانكسار صورتها كدولة ديموقراطية، وتصدع احتكارها مكانة الضحية، بخاصة أنه أتى بعد سلسلة تقارير دولية تؤكد انكشاف حقيقتها كدولة استعمارية وعنصرية، بعد أن ظلت تجهد للترويج لذاتها كواحة للديموقراطية في المنطقة العربية، ولاحتكارها مكانة الضحية، وتأكيد شرعيتها الأخلاقية والسياسية لاستقطاب التعاطف العالمي معها. في هذا الإطار، أيضاً، ثمة تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، (نيسان/أبريل 2021)، الذي صدر تحت عنوان معبّر، هو: “تجاوزوا الحد”، وأثار ضجة كبيرة حينها، إذ تحدث عن “الفصل العنصري والاضطهاد” ضد الفلسطينيين مؤكداً أن إسرائيل ترتكب “جريمتين ضد الإنسانية، يعاقب عليهما القانون الدولي”. وثمة تقرير للجنة الدولية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة (تشرين الأول/أكتوبر 2021). وكنا شهدنا في السابق تقارير عدة أشهرها تقرير محكمة العدل الدولية (لاهاي 9/7/2004) بشأن عدم شرعية “الجدار الفاصل”، الذي أنشأته إسرائيل في الأراضي المحتلة. وتقرير القاضي ريتشارد غولدستون (2009) الخاص بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستهدافها المتعمد للمدنيين (ما أدى إلى مصرع نحو 1400 من الفلسطينيين 2009). وتقرير لجنة الأمم المتحدة (إسكوا) عام 2017، الذي أعده اثنان من أبرز خبراء القانون الدولي، هما ريتشارد فولك وفرجينيا تلي. بل لعل الأكثر لفتاً للانتباه هو تقرير منظمة “بتسيليم” الإسرائيلية (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، الصادر قبل عام (كانون الثاني/يناير 2021)، والذي تبنى صراحة أن إسرائيل دولة ابارتهايد ضد كل الفلسطينيين، وإنها تمارس جريمة الاضطهاد ضدهم أيضاً، بمعنى أن النقاش حول الشرعية الأخلاقية والسياسية لإسرائيل انتقل إلى أوساط الإسرائيليين أنفسهم، لا سيما في المستوى الأكاديمي. ولمناسبة صدور التقرير، ورد الفعل الإسرائيلي عليه، ثمة عدة ملاحظات:أولاً، يؤكد التقرير أن إسرائيل دولة عنصرية، ليس ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 فحسب، وإنما ضد مواطنيها منهم منذ قيامها (1948)، وفقاً لمنظومتها القانونية، وباعتبارها لذاتها كدولة قومية لليهود، وهذا يعني أن إسرائيل تتعاطى مع الفلسطينيين بصورة منهجية كشعب واحد، وإن كان ذلك يأخذ أشكالاً مختلفة، ما يفرض على الفلسطينيين انتهاج سياسات موازية، أو مطابقة، بدلاً من التصرف كوحدات منفصلة. ثانياً، يفترض بالفلسطينيين الانتباه إلى أهمية العمل في أوساط الرأي العام، بدلاً من التركيز على الحكومات فقط، وهو ما تتيحه الثورة في وسائل الإعلام والاتصالات والمعلوماتية، وصعود دور شبكات المجتمع المدني على الصعيد العالمي، بما لذلك من تأثير في الانتصار لقيم الحرية والعدالة والمساواة ومكافحة التمييز والعنصرية والظلم. ثالثاً، تحاول إسرائيل خلق نوع من المماهاة بين معاداة الصهيونية أو معادة إسرائيل وسياساتها العنصرية، وبين معاداة اليهود أو “اللاسامية”، في حين أن الأمرين مختلفان تماماً، لا سيما أن العرب والفلسطينيين، ساميون أصلاً! وهذا يفرض من الفلسطينيين كشف تلك المحاولات وتفنيدها، وتوضيح حقيقة إسرائيل كدولة ليست لمواطنيها، وإنما لليهود فيها، وليهود العالم باعتبارها لذاتها دولتهم “القومية”، ولأن الديموقراطية فيها هي لليهود. رابعاً، مشكلة الفلسطينيين أنه ورغم الانزياح في الرأي العام العالمي لمصلحة قضيتهم إلا أن قدرتهم على الاستثمار في ذلك ضعيفة، بحكم تخلف حركتهم الوطنية، وتكلسها، وانقساماتها، وأيضاً بحكم اختلاف أولويات العالم العربي، وواقع النظام الدولي المحابي لإسرائيل. ومشكلتهم أيضاً أن إسرائيل، منذ قيامها مزقت كل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، سواء عن مجلس الأمن أم عن الجمعية العامة أم عن الهيئات المنبثقة منها، بحكم علاقتها بالغرب، وعلاقاتها المتميزة بالولايات المتحدة الأميركية، وهذا ينطبق على لا مبالاتها بعملية التسوية جملة وتفصيلا، سوى ما يتعلق بفرض الأمر الواقع والهيمنة على فلسطين من النهر إلى البحر.
عن النهار العربي