ترجمة أحمد عيشة
المحتوى
تمهيد
ملخص تنفيذي
مقدمة
الاتجاهات العابرة للحدود الوطنية
تغيّر المناخ وآثاره
الحوكمة والضغوط الديموغرافية
التكنولوجيا وتحولات الحرب
التغييرات الإقليمية
إيران
المملكة العربية السعودية
مصر
لبنان
الأردن
الفلسطينيون
تحولات القوى العظمى
أميركا المستقطبة مترددة
العلاقات الأميركية الإسرائيلية
عودة روسيا إلى الشرق الأوسط
الصين الصاعدة
الخاتمة
النتائج السياسية
تمهيد
تبحث هذه الورقة في بعض الاتجاهات الرئيسة التي من المحتمل أن تشكّل ملامح الشرق الأوسط، في الأعوام العشر إلى العشرين المقبلة، وتعمل على تقويم هذه الاتجاهات بالنظر إلى آلية تغيّر بيئة التهديد المحيطة بإسرائيل. وعلى الرغم من أن هذا المسعى تخميني وتأملي، بالضرورة، فإنه يطرح أسئلة سياسية مهمة تجب معالجتها اليوم، سواء من قبل إسرائيل أو من قبل إدارة بايدن الجديدة في الولايات المتحدة.
لا شك في أن رسم خرائط لسيناريوهات محددة، قبل عقود من الزمن، أمرٌ مستحيل، ولا ندّعي هنا أننا نتنبأ بصورة المستقبل. ومع ذلك، فمن المفيد والضروري التفكير في الاتجاه الذي قد تؤدي إليه المسارات المحتملة. من المرجح أن تتحقق بعض السيناريوهات التي دُرست أكثر من غيرها؛ فتغيّر المناخ أو التطورات التكنولوجية، على سبيل المثال، لها بالفعل تأثير كبير. وقد لا تتحقق اتجاهات أخرى أبدًا، لكن حجم عواقبها، إن تحققت، يعني أنها تستدعي الاهتمام بها ودراستها. ولهذه الغاية، تهدف السيناريوهات التي دُرست هنا إلى توضيح النتائج المحتملة للاتجاهات الإقليمية المهمة، وليس استكشاف كل صورة ممكنة لمستقبل الشرق الأوسط.
توضح الورقة بالتفصيل مسار المنطقة، على ثلاثة مستويات عريضة: الاتجاهات العابرة للحدود الوطنية التي ستشكل التضاريس التي تجري عليها السياسة الإقليمية؛ والتحولات في الجغرافيا السياسية الإقليمية؛ والتغيّرات في تفاعلات القوى العالمية في الشرق الأوسط.
يمثل النص الكامل لهذا التقرير آراء المؤلفين الرئيسين وحدهم، مع أن كثيرًا من الزملاء قدّموا إسهامات لا تُقدّر بثمن، من خلال المقابلات والمناقشات الأخرى، وتتضمن أجزاء من هذا التقرير إسهامات كلّ من إيال تسير كوهين، وشاران غريوال، وريان هاس، وشادي حميد، وسوزان مالوني، وبروس ريدل، وشبلي تلحمي، وتمارا كوفمان ويتس. ويشكر المؤلفون الأفرادَ التالية أسماؤهم، لإسهاماتهم القيّمة في هذا التقرير: ديفيد دولار، وكمال كيريشجي، وأماندا سلوت، وأنجيلا ستينت، على مشورة الخبراء واستشاراتهم؛ وتيد رينيرت وراشيل سلاتري على التحرير والتصميم الممتازين؛ واثنين من المراجعين المجهولين لتعليقاتهم القيمة؛ وإريك يافورسكي وأنجيلا تشين، لدعمهما البحثي الأساسي.
ملخص تنفيذي
تدخل إسرائيل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وهي تتطلع إلى منطقتها من موقع الثقة؛ حيث وقّعت إسرائيل في الآونة الأخيرة معاهدات لتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وبدأت عمليةَ تطبيع مع السودان، وهو أمرٌ يؤدي إلى إحداث تحولات دراماتيكية علنية في موقف إسرائيل الإقليمي. وتتمتع إسرائيل، بالمقارنة مع جيرانها، بالبراعة العسكرية والقوة الاقتصادية، على الرغم من الخسائر الفادحة التي يسببها وباء (كوفيد -19) المستمر. ويمكننا القول إن إسرائيل لم تكن أكثر أمانًا، في أي وقت مضى، مما هي عليه الآن. ومع ذلك، ترتكز كثيرٌ من ركائز نجاحات إسرائيل على أسس غير قوية، في منطقة مضطربة. ومع وجود إدارة جديدة في واشنطن، واستمرار التغيرات الإقليمية والعالمية بوتيرة قوية؛ تهدد التهديدات الجديدة والناشئة بتحدي سلامة إسرائيل، على مدى العقدين المقبلين. وفي بعض الحالات، يجب إجراء تغييرات سريعة وحاسمة في السياسة.
ستظهر هذه التهديدات على ثلاثة مستويات: الاتجاهات العابرة للحدود الوطنية التي تؤثر في كل بلدٍ في المنطقة؛ والتغييرات في آفاق الدول الإقليمية المهمة، سواء شركاء إسرائيل (بالسر أم بالعلانية) أم خصومها الصريحين؛ ومسار ديناميكيات القوى العظمى في المنطقة، لا سيّما تلك المتعلقة بالولايات المتحدة وروسيا والصين.
بسبب الاتجاهات العابرة للحدود الوطنية التي قد تشكل بيئة تهديد لإسرائيل، وتغيّر المناخ والآثار الناتجة عنه، وفشل الحوكمة والصدمات الاقتصادية، وانتشار التقنيات العسكرية الجديدة التي بات الوصول إليها ممكنًا؛ تبرز أهمية خاصة في التفكير في مستقبل المنطقة نفسها. قد يؤدي ظهور أي من هذه الاتجاهات إلى تهديد حقيقي لأمن إسرائيل أو لرفاهها. وهي تشير مجتمعة إلى منطقةٍ تكافح فيها الحكومات الإقليمية، ومن ضمنها جيران إسرائيل، للحفاظ على سيطرتها مع تصاعد الأزمات العابرة للحدود، وذلك لأن الجهات الفاعلة غير الحكومية لديها أدوات أكثر قوة تحت تصرفها.
اعتمدت إسرائيل على التعاون الأمني مع جيرانها، طوال عقود، للتعامل مع التهديدات غير الحكومية. ومن بين هؤلاء الجيران، السلطة الفلسطينية والأردن ومصر، وهي الأكثر أهمية. ونظرًا للتحديات التي تواجه نماذج الحوكمة الخاصة بها والمصاعب الاقتصادية المستمرة، تواجه هذه الحكومات خطر عدم الاستقرار. في هذه الأثناء، من بين خصوم إسرائيل الإقليميين، يمكن أن يشهد كلٌّ من إيران وحزب الله في لبنان اضطرابات داخلية، يمكن أن تحسّن موقف إسرائيل، لكن ليس هناك أي ضمان لمثل هذا التحسّن. لكن الاضطرابات لدى شركاء إسرائيل الجدد في العالم العربي، ومن ضمنهم المملكة العربية السعودية، يمكن أن تجلب إلى السلطة حكامًا أكثر عدائية. وبينما تحسّنت المشاعر في العالم العربي تجاه موقف إسرائيل، في بعض الأوساط، يبقى الرأي العام بين الغالبية العظمى من العرب، في جوهره، أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين، ويظهر حذرًا من التعاون مع إسرائيل. قد لا يشكل الرأي العام السياسة دائمًا بشكل مباشر، ولكن قدرته على القيام بذلك، كما فعل في عام 2011، تظل قوية وفعالة.
من المتوقع أن تشهد سياسات القوى العظمى في المنطقة تحوّلات مهمة في العقود المقبلة، وبعضها بدأ يجري بالفعل. بالنسبة إلى إسرائيل، تتعلق الأسئلة الكبرى بالولايات المتحدة والتزام الحزبين بالعلاقة الأميركية الخاصة مع إسرائيل، ورغبتها في الانخراط مع المنطقة على نطاق أوسع، وتنافسها المتزايد مع الصين. إذا استمر مسار الانكماش الأميركي، فإن روسيا والصين مرشحتان -على الأرجح- للعب دور أكبر في الجغرافيا السياسية الإقليمية، وبخاصة الصين. ومن المرجح أن تشكل مصالح الصين -كمستورد ضخم للطاقة من المنطقة- خياراتها السياسية، ويمكن للسياسات الإقليمية الصينية الأكثر حزمًا أن تترك إسرائيل، إما لتخوض المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين في جوارها، وإما لمواجهة احتمال وجود قوة خارجية مهيمنة غير مبالية بمصالحها الأساسية.
كثيرٌ من هذه التطورات خارجة عن السيطرة المباشرة لإسرائيل. لكنها تستدعي التحضير لكونها تنطوي على القليل من التحولات في السياسة. ومع ذلك، فإن لدى إسرائيل تأثيرًا ملموسًا على قضايا أخرى، على الرغم من أن التصورات السائدة في إسرائيل بعكس ذلك. في هذه المجالات -وخصوصًا العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل- يمكن لإسرائيل أن تتصرف، بل يجب عليها ذلك. ستكون سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، التي كانت إلى حد كبير غير مرتبطة بإدارة ترامب، حاسمةً لتكون هذه العلاقات سليمة على المدى الطويل، وتتفاقم التحديات المهمة التي تواجه هذه العلاقة بسبب أبعادها المتعلقة بالصين. قد يؤدي الفشل في العمل للحفاظ على هذه العلاقة إلى المخاطرة بتقويض ركيزة أساسية للأمن القومي الإسرائيلي، مع إثارة مزيد من الاعتبارات الأخلاقية والسياسية المهمة، يجب ألا يقود إحساس إسرائيل الحالي بالقوة إلى الرضا عن الذات.
مقدمة
على الرغم من الأزمة المرتبطة بـ (كوفيد -19)، فقد دخلت إسرائيل العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين في موقع من الثقة الوطنية، مع براعة عسكرية تفوق بكثير ما لدى جيرانها، ومع اقتصاد قوي. أنتج التحول العميق في الشرق الأوسط في العقد الماضي تهديدات جديدة، لكنه أضعف أيضًا كثيرًا قدرة خصوم إسرائيل المحتملين؛ حيث إن التنافس مع إيران، وهو القلق الأمني الرئيس لإسرائيل في الأعوام الأخيرة، فتح الباب أمام تعاون جديد مع دول عربية مهمة. في وقتٍ متأخر من ولاية إدارة ترامب، وقعّت إسرائيل معاهدات لتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وبدأت مثل هذه العملية مع السودان، لتعميق العلاقات العامة التي كانت تتطور منذ عقود. وكذلك لإسرائيل علاقات مهمة مع المملكة العربية السعودية، حيث أُضيفت هذه الدول الخليجية إلى صفوف مصر والأردن، اللتين أبرمتا بالفعل معاهدات سلام رسمية مع إسرائيل. على الصعيد المحلي، كانت الأشهر الـ 12 التي سبقت آب/ أغسطس 2020 هي الأولى منذ عام 1964 التي خلت من وقوع إصابات بين المدنيين، من جراء الهجمات الإرهابية (قُتل جندي واحد خلال تلك الفترة). بالنسبة إلى صانعي السياسات والجمهور في إسرائيل والولايات المتحدة وأماكن أخرى، غيّر هذا الواقع الجديد الافتراضات الأساسية حول أمن إسرائيل ومسارها القومي، وأعطى انطباعًا قويًا وصحيحًا من بعض النواحي بأن إسرائيل لم تكن قطّ أكثر أمانًا ممّا هي عليه اليوم.
ومع ذلك، تستمر الظروف الإقليمية والعالمية في التحوّل، ويعتمد شعور إسرائيل الحالي بالثقة على مزايا غير دائمة. ستصبح الركائز الأساسية لأمن إسرائيل موضع تساؤل في العقدين المقبلين، ويستلزم ذلك تغييرات مهمة -اليوم- في الأمن القومي الإسرائيلي والسياسات الدبلوماسية.
ترجح العوامل الحالية والناشئة استمرار عدم الاستقرار العميق في الشرق الأوسط، في العقدين المقبلين. قد يكون تغيّر المناخ هو الأبعد تأثيرًا، إذ سيشهد الشرق الأوسط في المستقبل مزيدًا من حالات الجفاف المتكررة؛ وانخفاض التدفقات في الأنهار الأساسية في سورية والعراق وأماكن أخرى، وارتفاع مستوى سطح البحر الذي سيهدد، على مدى عقود، بإغراق المناطق المنخفضة في الخليج ودلتا النيل في مصر. كل ذلك، مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، يمكن أن يجعل مساحات شاسعة من منطقة الخليج غير صالحة للسكن. وستؤدي هذه الظروف القاسية مجتمعة، في عديد من بلدان المنطقة، ومن ضمنها أفقرُها وأكثرها اكتظاظًا بالسكان، إلى زيادة احتمالات الفشل الاقتصادي، وعدم استقرار النظام، وما ينتج عن ذلك من الهجرة الجديدة الكبيرة وتدفقات اللاجئين في كل من البلدان المتضررة مباشرة وفي غيرها، ذات الأهمية الكبيرة لأمن إسرائيل، مثل الأردن ولبنان. وفي الوقت نفسه، تهدد التقنيات العسكرية الجديدة بالتأثير على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، بل إنها تجعله غير مهمٍ جزئيًا، وهو الأمر الذي يجعل الجهات الفاعلة غير الحكومية والدول الضعيفة تحت تهديدات خطيرة، على مدى الأعوام العشر إلى العشرين المقبلة. وستشكل التكاليف المنخفضة للمنصات والأسلحة الدقيقة غير المضبوطة أو من دون الحراسة -من أسراب الطائرات من دون طيار (درون) المنسقة بسهولة إلى أعداد كبيرة من الصواريخ الدقيقة التي قد تتفوق على الدفاعات الصاروخية- مخاطر جديدة على الجيوش المتقدمة. ومن المرجح أن يستمر تطوير وانتشار التكنولوجيا والمعرفة السيبرانية في لعب دور رئيس في الصراعات المستقبلية أيضًا. العمليات السيبرانية رخيصة بالفعل ويمكن تكرارها بسهولة، ويصعب تحديد الجهة المهاجمة. تفوقت الدفاعات الإلكترونية بشكل عام على قدرات معظم الجهات الفاعلة، إلا أن الدول التكنولوجية المتقدمة، الأكثر تعرضًا للهجمات، قد لا تتمكن من مواكبة ذلك في جميع الحالات.
مع هذه التغييرات التكنولوجية، وكثير من التغييرات التي لا يمكننا توقّعها، قد تتمكن الدول التي تبدو ضعيفة، والأعداء من غير الدول، من تحدي المزايا التي تتمتع بها القوى العسكرية المتقدمة. تكثّف إسرائيل بالفعل استعداها لمواجهة هذه التهديدات، وغالبًا ما تعمل التطورات التكنولوجية لمصلحة إسرائيل، لكن انتشار التكنولوجيا الرخيصة يشير إلى احتمال “هزيمة” بعض القدرات الهجومية والقوة. وقد يعني ذلك أيضًا أن الجهات الفاعلة غير القابلة للردع (التي لا تملك جبهة داخلية لحمايتها) قد تصبح أكثر أهمية. في واقعٍ تكتسب فيه الجهات الفاعلة غير الحكومية حيازة تقنيات تغيّرُ قواعد اللعبة، ستحتاج الاقتصادات المتقدمة إلى تبني أدوات ومبادئ مختلفة، إضافة إلى إنتاج التطورات التكنولوجية الخاصة بها.
ستستمر نقاط الضعف الاقتصادية والمؤسسية المحلية الواسعة النطاق في تهديد استقرار عديد من جيران إسرائيل. ولا تزال الأسباب الهيكلية التي أدت إلى الاضطرابات في المنطقة بعد عام 2011 قائمةً في معظم دول الشرق الأوسط، وهي تتضاعف أكثر بسبب الأزمات اللاحقة، ومنها أزمة انتشار (كوفيد -19). وستتطرق هذه الورقة إلى مقاربة بعض الديناميكيات الرئيسة، في إيران والمملكة العربية السعودية ومصر ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية. ويمكن أن يسهم عدم الاستقرار في المنطقة بشكل عام في الهجرة وتدفقات اللاجئين، مع تأثيرات دراماتيكية على المناطق المجاورة، وعلى الأخص أوروبا. من المنظور الإسرائيلي، ونظرًا للفجوة بين الرأي العام والأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، يمكن للديناميكيات المحلية أن تغيّر بسرعة مواقفها الإقليمية، وربما تؤدي إلى تدهور كبير في موقف إسرائيل. قد تصبح الدول التي لا تشكل تهديدًا لإسرائيل حاليًا أعداءً محتملين، مع وجود تحالفات جديدة بينها. في أقرب وقت ممكن، قد تفقد هذه الدول سيطرتها على المناطق القريبة من إسرائيل، وهو الأمر الذي يفتح المجال للجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة بتقنيات جديدة.
الآن، غالبًا ما تُنحّى الشؤون الفلسطينية جانبًا، ومن الطبيعي أن يكون لذلك تأثيرٌ خاصٌ على مستقبل إسرائيل، حيث تعاني المؤسسات والسياسات الفلسطينية حالةً من الفوضى والانقسام الداخلي وتهميش الداعمين الإقليميين السابقين؛ بعدما أُبعدت القيادة الفلسطينية عن الولايات المتحدة، وهُمّشت في ظل إدارة دونالد ترامب. وبعد اتفاقات التطبيع الإسرائيلية العربية، أصبحت الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر عزلة مما كانت عليه منذ عقود. وقد وفرّت هذه التطورات لإسرائيل ملاذًا مؤقتًا من الضغط الأميركي، بخصوص القضية الفلسطينية، إلا أنها لم تحلّ بعضًا من أهم الأسئلة الأساسية بالنسبة إلى إسرائيل، حول طابعها ووجودها الديمقراطيين، أو أمنها الداخلي. ولم تزُل أهميّة القضية، بالنسبة إلى المكانة الدولية لإسرائيل وعلاقاتها ومنها العلاقة مع إدارة بايدن؛ حيث يحتفظ الفلسطينيون بجاذبية عامة واسعة النطاق، في كثير من دول المنطقة والعالم. وفي حال حدوث تغييرات في الحكومات في المنطقة، يمكن للخصوم المحتملين استخدام هذه القضية مرة أخرى لحشد الجماهير الإقليمية، وقد يؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى تفاقم الخطر على الأمن الداخلي لإسرائيل. وأخيرًا، قد تصبح الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية أكثر أهمية في العلاقات الأميركية الإسرائيلية في المستقبل.
قد تنشأ أيضًا تهديدات جديدة لإسرائيل -بالإضافة إلى إضعاف موقفها- من التغيرات الجيوسياسية العالمية والتحولات طويلة الأجل في سياسات القوى العالمية في الشرق الأوسط. تتزامن انتهازية روسيا في الشرق الأوسط والقوة الاقتصادية المتصاعدة للصين، مع تحفظ أميركي على الانخراط في المنطقة، وهو الأمر الذي سيقلب هيكل سياسات القوة العالمية في جوار إسرائيل. سعى الرئيسان الأميركيان السابقان (وهما مختلفان تمامًا عن غيرهما) بالفعل إلى تقليل التزامات الولايات المتحدة في المنطقة، واستندا في ذلك إلى اتجاهات عميقة وربما دائمة في الرأي العام الأميركي. وبينما يواصل كثير من الأميركيين القول بأن مصالح بلادهم في شؤون الشرق الأوسط آخذة في التراجع، قد تشهد الصين وعدد من الدول الأوروبية زيادة في مصالحها، الأولى بسبب الاعتماد على واردات الطاقة، والأخيرة بسبب المخاوف من تجدد أو زيادة تدفق اللاجئين.
ويُضاف إلى عوامل اضطراب المنطقة، المنافسةُ العالمية المتزايدة، وربما المتسابقة، بين واشنطن وبكين. لدى هذا التسابق قدرة على التحول إلى منافسة صريحة، مع المنافسة التكنولوجية والاقتصادية، ويستلزم ذلك خيارات باهظة التكلفة لدولةٍ (مثل إسرائيل) تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التجارة والابتكار التكنولوجي والاتصالات، وكذلك على شراكتها مع الولايات المتحدة. قد يؤدي هذا التنافس نفسه إلى عودة الولايات المتحدة جزئيًا إلى الشؤون الإقليمية، ولكن من المرجح أن يحوّل اهتمام الولايات المتحدة إلى مكان آخر، بينما تصبح الديناميكيات الإقليمية المهمة تابعة للديناميكيات العالمية.
تتزامن كثير من هذه الاتجاهات مع التأثير في علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، وهي ركيزة أساسية في وضعها الإستراتيجي. وتواجه هذا العلاقة -على شدّة قوتها- تحديات هيكلية عميقة. والعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل مهددة بفعل الحزبية، مع وجود فجوة متنامية بين الدعم الجمهوري والديمقراطي للعلاقة، ومع التحولات الأيديولوجية بين الأجيال، واحتمال أن يكون دعم الناخبين الأصغر سنًا لإسرائيل أقلّ بكثير من دعم كبار السن، والإحجام الأميركي العام عن تخصيص موارد في الشرق الأوسط، حيث تزداد الشكوك حول السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، من طرف اليسار السياسي الأميركي، وبين الأميركيين الأصغر سنًا من اليمين. تمتلك إسرائيل القدرة على التأثير في بعض هذه التطورات، من خلال تغيير سياساتها أو تكييفها اليوم. قد تحتاج بعض هذه التحولات إلى إرادة سياسية كبيرة وتغييرات مهمة بالطبع، وبخاصة على الجبهة الفلسطينية. ومع ذلك، فإن الفشل في القيام بذلك من شأنه أن يخاطر بخيارات أسوأ بكثير في المستقبل.
لتحميل الدراسة كاملة اضغط على الرابط التالي:
المصدر: عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة