إسرائيل عدو ليس كمثله شيء

أصل القول في تعريف إسرائيل أنها ظاهرة استعمارية.. استعمار إحلالي بكل ما يحمله هذا التعريف من إرث وتجارب تاريخية، وهي تحتل الأرض وما تحت الأرض، والجو والفضاء والهواء، وتعد الأنفاس على الفلسطينيين، وأنشأت نظاماً معقّداً من الرصد وأبراج مراقبة، مجهزة بقدرات رادارية على مدار اليوم، ليلاً ونهاراً وفي العطل والأعياد، وصور أقمار صناعية وطائرات استطلاع وبالونات حاملة للكاميرات للمراقبة في الوقت الحقيقي عند الاشتباه بأي عمل مقاوم (لاسيما داخل البلدات القديمة في المدن الفلسطينية)، مما يجعل من السهولة بمكان تتبع حركات المقاومين والمسؤولين واستهدافهم بالصواريخ وقتلهم, فضلاً عن إنشاء “بنك” معلومات هائل وقاعدة بيانات، واختبارات DNA لتتحول ساحة الصراع، مع الفلسطينيين، إلى ميدان “حرب” تقاس فيه المسافة بين الأعداء بالأمتار، وأحيانا بالصفر ( كالإعدامات على الحواجز بسبب وبدون سبب).

لقد أصبح متاحاً لإسرائيل رصد كل غرفة وكل منزل؛ كل سيارة؛ كل مكالمة هاتفية أو بث إذاعي. وتمثل هذه الإجراءات جزءً من سياقات جوهر عنف المشروع الاستعماري الذي مزق مراراً وتكراراً مساحة فلسطين وفضائها، ليس الآن أو منذ أوسلو، بل منذ بداية المشروع الصهيوني. فقد شكلت موجات الهجرة اليهودية المتعاقبة مجتمعاُ صهيونياً استعمارياً موازياً للمجتمع الفلسطيني، استطاع، تالياً، تمزيق غلالة الحياة اليومية الفلسطينية، وفرض هندسة القوة ودفع فلسطين إلى حافة التاريخ؛ وإلى حافة اليأس. لقد قامت إسرائيل بكيّ طبقات الحياة الفلسطينية اليومية، وهو أمر لا يمثل اعتداءً على مشروعهم السياسي، أي، المساحة “المفترضة” داخل الدولة الفلسطينية الممكنة، فحسب، ولكنه يمثل أيضاً اعتداءً على “الحياة المجردة” ذاتها.

لقد تحولت الأرض الفلسطينية إلى أرخبيل مقطع الأوصال، لاحول له ولا قوة، في بحر الاستيطان الصهيوني النهم، وتم اختزال الأرض الفلسطينية إلى رموز هندسية (أ؛ ب؛ ج).

ولكن حتى ضمن هذا الفضاء الإقليدي، لن يعدم الفلسطيني وسيلة للمقاومة، باعتبار أن نضالهم يمثل أعظم حالات التمرد ضد الاستعمار منذ النصف الثاني من القرن الماضي؛ ربما ليس اختياراً أو خياراً، حتى لو تم وصف أعمالهم على أنها “إرهاب”*.

*الصورة أمر للجيش الإسرائيلي بشأن إغلاق ومصادرة معدات وأجهزة مقرات مؤسسات أهلية فلسطينية كانت إسرائيل قد صنفتها على أنه مؤسسات “إرهابية” في وقت سابق من هذا العام. يذكر أن إسرائيل تذرعت ، في تنفيذها لقرار الإغلاق، بقانون الطوارئ الانتدابي للعام 1945، علماً أن هذا القانون كانت بريطانيا نفسها قد ألغته، رفقة جميع المراسيم الأخرى التي صدرت عن المندوب السامي في عهد الانتداب، عشية الرابع عشر من أيار/ مايو 1948

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *