إسرائيل تسيطر من جديد عليه: في تاريخ محور صلاح الدين وتداعيات السيطرة الإسرائيلية
بعد 23 يومًا من بدء العملية البرية في رفح، احتل الجيش الإسرائيلي محور صلاح الدين (بالعبرية: محور فيلادلفي، أي الحدود بين غزة ومصر). وأعلن الجيش أنه اكتشف، حتى الآن، 20 نفقًا وأن بعضها يمتد إلى الأراضي المصرية، بالإضافة إلى 82 فتحة أنفاق بالقرب من المحور. في نهاية آب 2024، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال جلسة الكابينيت أن إسرائيل لن تنسحب من محور صلاح الدين بأي شكل من الأشكال.
المقالة التالية تقدم قراءة في بروفايل محور صلاح الدين وعلاقة إسرائيل به.
ما هو محور صلاح الدين؟
هو الحدود التي تربط قطاع غزة مع دولة مصر ويبلغ طوله 14 كيلومترا. ويعود ترسيم الخط إلى العام 1906، خلال “تفاهم” بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا التي كانت تحكم مصر. لم تكن هذه الحدود مكان خلاف بعد النكبة لأن قطاع غزة وقع تحت الحكم المصري في حينها، ولم تكن أيضا مكان خلاف بعد النكسة لأن إسرائيل احتلت قطاع غزة وسيناء. لكن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من سيناء العام 1982، وتوقيع اتفاق سلام مع مصر، تمت إعادة تأكيد مسار الحدود، وتم ترسيم ما بات يعرف بمحور صلاح الدين، والذي ظل تحت سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة حتى العام 2005، وهي سيطرة كانت مدعومة من قبل مجتمع استيطاني صغير يسكن معظمه في تكتل مستوطنات قطيف القريبة من الحدود المصرية. وتسمية “محور فيلادلفي”، هي تسمية عشوائية ظهرت أول مرة في ترسيم الخرائط التي وضعها الجيش الإسرائيلي في العام 1982-1983.
محور صلاح الدين: حدود تقطع مدينة رفح
تقع مدينة رفح الفلسطينية على جانبي محور صلاح الدين، بنسبة 80% في الجانب الفلسطيني و20% في الجانب المصري. لكن، بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجانب المصري العام 1982، قدم أريئيل شارون (وكان في حينه وزيرا للدفاع) اقتراحا في اللحظة الأخيرة بحيث يتم نقل سكان رفح الذي تبقوا على الجانب المصري إلى داخل القطاع. وبالفعل، قامت إسرائيل ببناء محور حدودي من خلال هدم مئات المنازل الفلسطينية الواقعة على المحور، وإنشاء شريط بعرض 40 مترًا، وتم بناء جدار إلكتروني، وتشييد معبر رفح.
الأنفاق والتهريب على الحدود
يُعتقد أن حفر الأنفاق تحت محور صلاح الدين بدأ قبل وقت طويل من حفر الأنفاق داخل قطاع غزة. كانت الأنفاق في البداية تهدف إلى تهريب البضائع والأسلحة وحتى الأشخاص بين مصر وغزة، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت تشكل جزءًا من اقتصاد سري ضخم يشمل تهريب السلع الاستهلاكية والوقود والمعدات العسكرية.
أول نفق اكتشفته إسرائيل تحت محور صلاح الدين يعود إلى العام 1983، أي بعد بناء الحدود بفترة قصيرة، ويُعتقد أنه كان يستخدم لربط أفراد الأسر على جانبي الحدود. ولكن خلال الانتفاضة الأولى في العام 1990، بدأت الأنفاق تتحول إلى صناعة واسعة تستخدم لتهريب البضائع والأسلحة. ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، توسعت شبكة الأنفاق بشكل كبير، حيث بدأت عمليات الحفر تأخذ طابعًا أكثر تطورًا، بمشاركة مهندسين لتحديد أبعاد النفق والخدمات اللوجستية، بما في ذلك الناقلات الكهربائية لنقل البضائع وخطوط الاتصالات.
في البداية، كانت الأنفاق تستخدم لتهريب السلع اليومية مثل الغذاء والدواء والملابس، لكن مع مرور الوقت توسع نشاط التهريب ليشمل السيارات ومواد البناء وحتى الأسلحة، التي أصبحت حيوية لحركة حماس. وبحلول العام 2007، عندما سيطرت حماس على المعبر بعد الانقسام الفلسطيني، تحولت الأنفاق إلى “رئة” اقتصادية وعسكرية لحماس، حيث شكلت مصدرًا رئيسًا للتمويل العسكري والاقتصادي، بما في ذلك تهريب الأسلحة الثقيلة والمتفجرات. أصبحت الأنفاق تجارة مربحة للغاية، حيث يمكن أن تصل الإيرادات اليومية للنفق الواحد إلى 700,000 شيكل، مما أثار منافسة وصراعات بين عشائر غزة للسيطرة على هذه التجارة المربحة.
الوجود الإسرائيلي في محور صلاح الدين: خاصرة ضعيفة
أصبح محور صلاح الدين ساحة معركة مكثفة أطلق المقاومون الفلسطينيون من خلالها مئات الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات، وفجروا مئات العبوات الناسفة، ونفذوا آلاف هجمات إطلاق النار على طول المحور. وفي 11 أيار 2004، وقعت الحادثة الشهيرة عند تفجير مدرعة إسرائيلية وفي اليوم التالي، أي 12 أيار، انفجرت ناقلة جنود أخرى على المحور، مما أدى إلى مقتل ما مجموعه 13 جنديًا إسرائيليًا. وقد أثارت الحادثتان، وصور الجنود الإسرائيليين من المكان، ردود فعل واسعة النطاق في إسرائيل، ويعتقد أنها سرعت من قرار الانسحاب، الذي كان مطروحًا قبل الانفجارات. في 12 كانون الأول، قام الفلسطينيون بتفجير نفق تحت محور صلاح الدين، وأدى الانفجار إلى تدمير نقطة عسكرية إسرائيلية مما أدى إلى مقتل خمسة جنود إسرائيليين.
معبر رفح: حماس لا تنسق مع إسرائيل!
كان تشغيل معبر رفح محفوفًا بالعراقيل والتوترات نتيجة لرفض الفلسطينيين تلبية المطالب الأمنية الإسرائيلية. وتصاعدت التوترات في كانون الثاني 2006 عندما اقتحم مسلحون فلسطينيون الحدود باستخدام جرافات. لكن في 14 حزيران 2007، سيطرت حماس كليًا على محور صلاح الدين، تلا ذلك فرض حصار على غزة. وفي كانون الثاني 2008، فجرت حماس الجدار الحدودي، مما سمح لمئات الآلاف من الفلسطينيين بالعبور إلى مصر، وهي حالة لم تستمر طويلا.
أهمية محور صلاح الدين خلال الحرب الحالية؟
“نحن الآن نتواجد على طول محور فيلادلفي… معبر رفح أصبح في أيدينا. رأيناه مهجورًا متروكًا، وهو الآن تحت السيطرة المطلقة للجيش الإسرائيلي. نحن نتواجد في المكان الأكثر أهمية في الحرب… إنه هنا، هذا المثلث الذي يربط إسرائيل مع غزة مع مصر، هذا هو لب الموضوع”- بهذه الكلمات افتتح المراسل العسكري للقناة 14 فيلمًا وثائقيًا عن احتلال مدينة رفح، والسيطرة على محور صلاح الدين (بالعبرية: محور فيلادلفي).[1] بقاء إسرائيل في محور صلاح الدين، وإصرار طيف واسع من أعضاء الكابينيت الإسرائيلي على البقاء في المحور حتى على حساب تقدم المفاوضات مع حركة حماس، هو مؤشر إلى إمكانية عودة الاحتلال العسكري إلى القطاع. للتذكير، عندما اقترح شارون خطة الانسحاب من قطاع غزة، كان معارضًا لانسحاب الجيش الإسرائيلي من حدود مصر- غزة (محور صلاح الدين). لكن المستشارين القانونيين للحكومة أصروا على الأمر لأنه بدون الانسحاب من هذا المحور، لا تستطيع إسرائيل “تسويق” مسألة انسحاب الاحتلال من القطاع أمام المجتمع الدولي.[2] إن عودة إسرائيل إلى المحور في العام 2024، ونيتها الاحتفاظ بتواجدها العسكري هناك، يعنيان وجود جيش محتل في قطاع غزة. وبهذا تسيطر إسرائيل على كل حدود فلسطين التاريخية مرة أخرى بعد أن ظل محور صلاح الدين خارج سيطرتها ما بين 2007-2023.
[1] أنظر/ي الفيلم على: https://www.youtube.com/watch?v=IEcevO7QMgM. تجدر الإشارة إلى أن الفيلم يستعرض احتلال رفح من خلال سرد القصة بطريقة بطولية، تهدف إلى شحن المجتمع الإسرائيلي ولا يقدم قراءة موضوعية للأحداث.
[2] https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4673336,00.html
عن المشهد الإسرائيلي- المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار