إسرائيل تستعد للحرب فيما التقدير الأمني أن إيران ليست معنية بالتصعيد
تقدير موقف:
تقديم: سادت حالة من الهلع في الرابع من ابريل الجاري، وذلك في اعقاب تصريحات رشحت عن اجتماع للقيادة العسكرية تحدث فيه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عن ” ان الأسوأ ليس وراءنا وان بانتظارنا ايام معقدة”. تدفقت جموع الاسرائيليين وحصريا في وسط وشمال البلاد الى المراكز التجارية لاقتناء المواد الغذائية والتموينية الجافة وكذلك اجهزة الاضاءة واجهزة راديو غير كهربائية وكميات كبيرة من المياه بالإضافة الى المولّدات الكهربائية البيتية، وذلك تحسبا من رد فعل ايراني لاغتيال القائد العسكري الايراني في القنصلية في سوريا.
قامت الاجهزة الامنية بتعطيل أجهزة نظام التموضع عبر الاقمار الاصطناعية GPS في منطقة تل ابيب ووسط البلاد، بعد ان كانت معطلة منذ بداية الحرب في الشمال والجنوب، وذلك للتشويش على امكانية انطلاق صواريخ موجهة على العمق الاسرائيلي. كما ألغت قيادة اركان الجيش كافة العطل والتسريح من الخدمة لجنود الاحتياط التابعين للوحدات الخاصة وحصريا الدفاع الجوي وذلك وفقا للخبر اعلاه. خصص الناطق العسكري مؤتمرا صحفيا مساء الخميس للتصدي لحالة الهلع ولتهدئة الخواطر داعيا الجمهور الى عدم التسرع في اقتناء المواد التموينية وبأنه لا حاجة تستدعي ذلك، مع تأكيده على ضرورة اليقظة والحذر.
قراءة:
من غير الواضح كيف رشح مثل هذا التقدير من رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وحديثه في اجتماع أمني مغلق، وإذا ما كان التسريب مقصودا لمعاينة رد الفعل الشعبي ام ان تسريبه للإعلام كان صدفة او هناك من هو معني بذلك. وللتنويه تعالت الاصوات الداعية لتنحية رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال حليفا باعتباره في مقدمة المسؤولين عن اخفاق 7 اكتوبر، ويعتبر هذا جزءا من المسعى الرسمي السياسي والشعبي والاعلامي اليميني لنزع شرعية قيادة اركان الجيش برمتها، وضمن ذلك لأسباب سياسية في محاولة لإعفاء نتنياهو من المسؤولية.
إن إلغاء الإجازات في الجيش حتى وان أعلن الناطق العسكري من باب التهدئة بأنه ايضا ترقبا لتطورات قد تحصل في ليلة القدر الرمضانية، وفي يوم القدس ايرانيا، بالإضافة الى ايقاف منظومة التموضع، تتنافى وتصريحات الناطق العسكري الداعية الى التهدئة والى التوجه الدفاعي.
كشف الهلع الشعبي عن حالة قصوى من عدم الثقة الشعبية بالمؤسسة الحاكمة. وكذلك اهتزاز المناعة التي عادة ما يميزها رباطة الجأش والتصرف وفقا لتعليمات الجبهة الداخلية والمؤسسة الحاكمة. ووفقا لفضائية “كان “(4/4) فقد حذر رئيس بلدية حيفا من ان المستوى الحكومي والامني لا يتواصل معه لاتخاذ الاجراءات في المدينة التي تكثر فيها المنشات الاستراتيجية وقد تكون مستهدفة. كما كشف هذا السلوك عن إشكالية المناعة الداخلية ناهيك عن تآكل استراتيجيات الردع الاسرائيلية التي لم تنجح في تغييرها لصالحها على الجبهة اللبنانية منذ بداية الحرب، وهذا هو الرأي السائد في المجتمع الاسرائيلي (81% وفقا لاستطلاع القنال 13 بتاريخ 5 ابريل)، بل تعاني المنطقة الشمالية من حالة نزوح غير محدودة الامد حتى الان، ولا يزال عدم الثقة في تقديرات الجيش عميقا خاصة بعد اخفاق 7 اكتوبر.
تشير التقديرات الاسرائيلية الى أن احتمالية حرب اقليمية ضئيلة للغاية وبأن إيران ليست معنية بحرب اقليمية مباشرة، وذلك باعتبارها اذا ما وقعت فسوف تكون المواجهة العسكرية بين ايران والولايات المتحدة. في موازاة هذه التقديرات فقد انعقد مساء 4/4 اجتماع استثنائي للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الامنية بصيغته الموسعة، اي بمشاركة كل مركبات الائتلاف بمن فيهم بن غفير وسموتريتش، وقد أقر توسيع مدى ادخال المساعدات الى غزة وفتح معبر ايريز البري (بيت حانون) لهذا الغرض، وقد جاء ذلك بعد انتهاء المحادثة الهاتفية بين بايدن ونتنياهو.
قد يكون فتح معبر ايريز تجاوبا مع الموقف الامريكي، الا انه ليس بالمخطط الجديد بل هو جزء من مخطط إتباع شمال قطاع غزة الى اسرائيل وسيطرة الاخيرة عسكريا ومدنيا ضمن خطتها لاقتلاع وجود حماس العسكري والمدني على السواء، ومن منطلق استدامة الاحتلال وترسيخه وبالاساس منع عودة المقتلعين النازحين البالغ عددهم نحو 1.5 مليون فلسطيني، اي غالبية سكان شمال القطاع الذي تسعى الخطة لاقتطاعه جغرافيا ومنع اهله من العودة اليه بواسطة الممرات الامنية وما رشح عنه من “مناطق الابادة” الذي تتم فيها تصفية اي فلسطيني يتجاوزها من الجنوب باتجاه الشمال.
الوظيفة الاخرى لفتح معبر ايريز، هي المناورة مقابل الضغوطات الدولية، من اجل التفرغ لما بات يشكل اولوية متزايدة في القرار الاسرائيلي والمقصود الجبهة الشمالية مع لبنان. ولا يزال نتنياهو يأمل في توريط الولايات المتحدة في حرب اقليمية تبدأ من لبنان وتنتهي في إيران واليمن وحتى العراق. وقد ألمح محللو معهد دراسات الامن القومي الى أن إيران هي الحليفة الموثوقة للصين وروسيا، اي للمحور المناهض للولايات المتحدة ولنفوذها العالمي.
الامدادات الامريكية الضخمة لإسرائيل مؤخرا، سواء بالذخيرة الفائقة القوة ام بأحدث الترسانات وحصريا طائرات F15 المطورة وطائرات F35A تتناسب مع حالة اشتعال الجبهة الشمالية. على الرغم من اتهام بايدن المباشر لنتنياهو بأنه يعطل التوصل الى صفقة وتهدئة.
انتقد الجنرال المتقاعد اسحق بريك عملية اغتيال القائد الايراني، مشيرا الى أنها عملية بحجم اعلان حرب وقد تدفع الى المخاطرة بحرب اقليمية، اي انها عملية هجومية قد تجر نحو الحرب وليست دفاعية، في حين يواصل نتنياهو ووزير الامن غالنت التهديد بحرب متعددة الجبهات.
للخلاصة:
– مقابل الخطاب الرسمي الذي يبدو دفاعيا، فإن التوجه الاسرائيلي هجومي وفيه اخذ بالحسبان بأن إيران ليست معنية بحرب اقليمية مما يتيح مساحة مناورة اسرائيلية اوسع وفيها رسائل لمختلف الاطراف التي تعتبرها اسرائيل وكلاء ايران في المنطقة. ولا تبدو اسرائيل في حالة هلع حقيقي، بل ان الوجهة هي التصعيد.
– تتعزز التقديرات بأن الاولوية الاسرائيلية راهنا هي ترسيخ تواجدها العسكري المطلق في شمال غزة، وفي التصعيد على الجبهة الشمالية بما فيه احتمالية ضربة استباقية ترفع الأمور، من ما دون سقف الحرب الشاملة الى اشعالها.
– تتراجع اولوية الصفقة والهدنة في نظر حكومة نتنياهو وذلك ليس بسبب “تعقيدات” المفاوضات بل اولويات حكومة نتنياهو سموتريتش بن غفير.
– يبقى مفتاح الحل لمجمل التوترات الاقليمية الحالية محدّدا في غزة ومن دون وقف الحرب المتعثرة لكن الفتاكة على غزة، فإن ما يبدو دفاعيا من حكومة نتنياهو هو مسعى جدي للدفع نحو التصعيد مع ايران.
عن مركز التقدم للسياسات