إسرائيل بعد الانتخابات: بلا ادّعاءات ليبراليّة وديموقراطيّة وحداثيّة
تكشّفت إسرائيل، بعد انتخابات الكنيست الـ25 (1/11/2022)، على طبيعتها كمنظومة استعمارية واستيطانية ودينية وعنصرية وعدوانية، من دون براقع، وأكثر من أي فترة مضت، والحديث لا يتعلق فقط بمنظومة الدولة، بل بالمجتمع الإسرائيلي الذي اتخذ خياره باتجاه اليمين الديني والقومي، وباتجاه القوى الفاشية المتطرفة.
هكذا، حصل معسكر بنيامين نتنياهو على 64 مقعداً، (“ليكود “32 مقعدا، “الصهيونية الدينية”، بقيادة المتطرفين المتعصبين ايتمار بن غفير وبتسليل سموترتش، 14 مقعدا، “شاس” لليهود الشرقيين المتدينين 11 مقعدا، “يهدوت هتوراة” لليهود الاشكناز المتدينين 7 مقاعد).
المفاجأة في هذه الانتخابات تمثلت بصعود حزب “الصهيونية الدينية” الفاشي، المتطرف، من ستة مقاعد سابقاً إلى 14 مقعداً، بحيث بات القوة الثالثة في الكنيست بعد ليكود (الأول)، وبعد حزب “ييش عيتيد” (“هناك مستقبل”) بزعامة رئيس الوزراء الحالي الذي حاز 24 مقعداً (الثاني). فيما تمثلت المفاجأة الثانية بضمور حزب العمل بحيث إنه بالكاد تجاوز نسبة الحسم (حاز أربعة مقاعد)، وباختفاء حزب “ميريتس” اليساري.
أما المفاجأة الثالثة، فتمثلت بصعود “التجمع الوطني الديموقراطي”، بين الأحزاب العربية، بخطابه المتميز القاطع مع فكرة الاندماج في السياسة الإسرائيلية، والذي يعتبر نفسه جزءاً من الوطنية الفلسطينية، إذ حاز قوة قدرها 130 ألف صوت، لكنه لم يستطع تجاوز نسبة الحسم. بالنتيجة، فقد خسر الفلسطينيون جزءاً من قوتهم التصويتية (نسبة مشاركتهم 58 في المئة مقابل 72 في المجتمع اليهودي) بسبب تفكك القائمة المشتركة، إن بامتناع “الجبهة الديموقراطية” و”الحزب العربي للتغيير” عن ضم التجمع إلى القائمة المشتركة (حازت 5 مقاعد)، كما بسبب خروج القائمة العربية الموحدة (القائمة الإسلامية وحازت 5 مقاعد) عن الإجماع الوطني الفلسطيني، بقائمة خاصة، بمشاركتها باللعبة الإسرائيلية، كما بسبب المقاطعة الشعبية للانتخابات، وهي مقاطعة أتت من اتجاهين: عقابية، ومبدئية.
إلى ذلك، فإن المفاجأة الأساسية في انتخابات الكنيست (شارك فيها 72 في المئة من أصحاب حق الاقتراع وهي أعلى نسبة منذ انتخابات عام 2015) تمثلت بنجاح ائتلاف بنيامين نتنياهو (ليكود + الأحزاب الدينية والمتطرفة)، بتأمين أغلبية مريحة من 65 عضو كنيست، فيما لم يتوافر له ذلك، ولا لمعسكر خصومه (من يمين الوسط)، في الانتخابات الأربع السابقة، التي جرت في غضون 4 أعوام جرت فيها انتخابات مبكرة، بحكم عدم قدرة أي من المعسكرين المتنافسين على الاستمرار في الحكومة.
المهم أن الائتلاف الحكومي المقبل، بتركيبته القومية ـ الدينية ـ المتطرفة، بل والفاشية، يقدم إسرائيل، والمجتمع الإسرائيلي، من دون خطابات وأقنعة ليبرالية أو ديموقراطية أو علمانية أو حداثية، وهي الادعاءات التي حاولت إسرائيل التلطي بها منذ قيامها، لإثبات فرادتها، أو استثنائيتها، في ما تعتبره “صحراء” الشرق الأوسط، ولإثبات نفسها كامتداد للغرب الديموقراطي الليبرالي ـ الحداثي.
يقول المحلل الإسرائيلي رفيت هيخت: “غالبية اليهود في دولة إسرائيل… غير معنية بالديموقراطية الحقيقية. معظم الجمهور في إسرائيل معني بالدولة اليهودية، التي الأكثر يهودية فيها هو حقوق زائدة لمجموعة معينة، مع حرمان مجموعات أخرى من الحقوق. من هو الإسرائيلي بالنسبة إليك؟ في إسرائيل 2022 هو أن تكون عنصرياً من دون خجل” (“هآرتس”، 2/11/2022). وبحسب تسفي بارئيل، فما يجرى سيفضي إلى “القضاء على العلاقة الكاذبة بين “اليهودية” و”الديموقراطية”، وصوغ وحش إثني – فاشيّ… دولة إسرائيل ستتحول إلى قيادة ميليشيات سياسية، بقيادة مجرم متهم بقضايا جنائية، يضع قنابله تحت كل مؤسسة ديموقراطية، ويحوّل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، لقوميتين يهوديتين”. “هآرتس”، 2/11).
ومعلوم أن الانتخابات الحالية جرت على مواضيع إسرائيلية داخلية، أي لم يدخل في اعتبارها أي صراع أيديولوجي، أو على التوجهات الاقتصادية، إذ جرت بين أطراف يمينية، كما لم يدخل فيها أي اعتبار لموضوع التسوية مع الفلسطينيين، الذي لم يعد على جدول الأعمال منذ زمن طويل.
وقد يجدر التذكير هنا بأن نتنياهو بات في ذلك بمكانة رئيس الحكومة الأطول في منصب رئيس حكومة إسرائيل مع 15 عاماً حتى الآن (1996ـ 1999 ثم من 2009 ـ 2021)، وذلك مقابل دافيد بن غوريون، الزعيم الإسرائيلي، المؤسس، والأشهر، وأول رئيس لحكومات إسرائيل، والذي تبوأ المنصب 13 عاماً.
ثمة ثلاث ملاحظات هنا، الأولى تفيد بأن ما يحصل سيخلق تحديات صعبة للفلسطينيين، وهذا سيشمل فلسطينيي 48 “المواطنين”، الذين سيجدون أنفسهم إزاء حالة سياسية تحاول أن تقضم من حقوقهم الفردية والمدنية، ومكانتهم كمواطنين، كما سيشمل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لجهة تكريس سياسات الاستيطان والحصار، ومصادرة الأراضي، والهيمنة بكل الوسائل، وهذا سيفتح على تطورات تتعلق بمصير السلطة الفلسطينية، كما سيفتح ربما على انتهاء الأوهام المتعلقة بالتسوية معها في هذه الظروف.
الملاحظة الثانية، تتعلق بأن التطرف والكراهية إزاء الآخر، سيعنيان تقلص هامش الديموقراطية والليبرالية في المجتمع الإسرائيلي ذاته، أي أن العدوى ستنتقل إلى علاقة التيارات والمجتمعات الإسرائيلية بعضها ببعض. وبحسب تسيبي ليفني، فإسرائيل ستكون “دولة ضعفت فيها أجهزة القضاء وإنفاذ القانون وباتت تنفذ كلمة “حكم عديم الكوابح”. من شأننا أن نجد وزير دفاع يعطي الأذون للمزيد فالمزيد من المستوطنات كي لا نتمكن أبداً من الانفصال عن ملايين الفلسطينيين، ويخضع الجيش الإسرائيلي إلى قيادة المستوطنين. من شأننا أن نرى وزراء بدلاً من أن يحيدوا برميل البارود المتفجر الذي نجلس عليه يفجرونه باسم أيديولوجيا دينية مسيحانية… العزة الوطنية هي في وجود الدولة كدولة يهودية وديموقراطية، ليبرالية، تكون جزءاً من العالم الحر”. (“يديعوت أحرونوت”، 1/11/).
أما الملاحظة الثالثة، فتفيد بأن إسرائيل ستجد نفسها في صورة أخرى مهزوزة، في الرأي العام العالمي، وربما أن عدداً من الدول ستجد نفسها عاجزة، أو مترددة، في دعم سياساتها، ما يذكّر بما حصل لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً.
أخيراً، قد يفيد هنا بأن ندرك أن ما يجري في إسرائيل، من صراعات سياسية، وانتخابات تلو أخرى، لا يدل على تضعضع استقرارها، على ما يعتقد البعض، بل على استقرار نظامها السياسي، وقوة مؤسساتها، السياسية والعسكرية والاقتصادية، كما يدل إلى ترسخ فكرة تداول السلطة، والتنافس أو التصارع بواسطة الوسائل الديموقراطية، وعبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وهذا ما يميز إسرائيل ويضفي عليها قوة مضافة، مع علمنا أن ثمة أنظمة لا تحتمل انتخابات واحدة في تاريخها، ولدينا مثلاً حال الوضع الفلسطيني الذي ماطل في تنظيم الانتخابات منذ 12 عاماً، ولا يزال ثمة انعدام يقين بشأن تنظيمها.
عن النهار العربي
من أين لك الجزم ان الجبهة هي التي منعت التجمع البقاء بالمشاركة؟
الحقيقة ان التجمع منذ البداية أراد الانفصال عن المشتركة.