إسرائيل التي ضربت أعداءها انتقلت للخوف من الصواريخ

لقد نسب رئيس الحكومة لنفسه بكل فخر الفضل في عملية الاغتيال في بيروت والهجوم في اليمن – وبشكل غير مباشر أيضًا في عملية الاغتيال في طهران. وهذا شيء عظيم، ولكن فقط حتى نتذكر أنه تحت قيادته وفي ظل جيشنا المجيد توجد دولتان: دولة جريئة ومنتصرة، وأخرى لا تنام خوفاً من ردة الفعل الايرانية

نحن في نظر العدو شعب واحد

من هي إسرائيل التي تنتظر الرد الإيراني الأكيد الذي سيثير مشاعرنا بعد أيام قليلة ؟ إسرائيل القادرة – بحسب منشورات أجنبية – على إدخال صاروخ عبر نافذة غرفة النوم في دار ضيافة حكومية رسمية في طهران، أم إسرائيل التي انهارت في وجه هجمة الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة، قبل عشرة أشهر فقط ؟

من هي اسرائيل التي تنتظر الصواريخ – أو أي وسيلة حربية أخرى – من طهران ولبنان، إسرائيل التي وفقا للمسؤولية التي تحملتها بكل فخر، قضت على المسمى “رقم 2” في حزب الله، بإطلاق نيران دقيقة على مبنى سكني في لبنان في قلب بيروت، أم إسرائيل التي تركت سكان الشمال تحت رحمة نصر الله – ولم ترد إلا عندما أنهى صاروخ واحد منه حياة 12 طفلاً ؟

من الصعب معرفة الجواب، هناك شيء واحد مؤكد: الرد الإيراني،( ربما بالاشتراك مع نيران حزب الله، ليضع مصاعب اكثر امام دفاعاتنا الجوية ) لن يفرق بين الدولتين اللتين نشأتا هنا على مرأى من أعيننا مثلما لم يفرق مخربو حماس بين الأطفال الذين انتخب آباؤهم نتنياهو وبين الأطفال الذين يتوجه آباؤهم كل ليلة سبت للتظاهر ضده في كابلان.

هناك فجوة كبيرة وضخمة وغير قابلة للفهم بين إسرائيل المتطورة، التي تمد ذراعها الطويلة وتضرب ارباب المخربين في أسرتهم أينما يتواجدون ، وبين إسرائيل، التي تجد صعوبة في إخضاع منظمتين إرهابيتين على حدودها. ماذا تقولون ؟ هل يتعلق الامر بجيوش ؟ لا تشترو هذه الكذبة.

جنود الجيش الإسرائيلي في غزة، ما سبب بقائهم يراوحون في المكان على مدار شهور ؟ لا تقولوا “الأميركيين”، لأنكم عندها ستفرضون علينا فرضية غير صحيحة/الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يتصرف كحصان يلهث على مداخل رفح .

حزب الله، الأقوى بين الاثنين، هو منظمة شبه عسكرية تمتلك قدرات باليستية خطيرة للغاية، ولكن ليس لديها قوات جوية أو مدرعات أو بحرية. كما أن قدراتها السيبرانية أقل بكثير من قدرات دولة إسرائيل، وحتى على المستوى البسيط للنزاع المسلح، حيث يقف جنديان في مواجهة بعضهما البعض وأسلحتهما الشخصية في أيديهما، فإن لإسرائيل تفوق واضح عليها .

وإذا نظرنا إلى الجنوب، فإن الصورة أكثر كأبة (من حيث حقيقة أن المعركة لم تحسم بعد – وعلى الرغم مما يحاولون بيعه لنا، إلا أنها لا تزال بعيدة جدًا عن الوصول إلى نتيجة ناجحة) – في السابع من أكتوبر، قاموا بتعطيل نظامنا الإنذاري المتطور بقنابل محلية الصنع يتم إسقاطها من مسيرات تم شراؤها بواسطة محلات Express.

حتى بعد انتهاء عامل المفاجأة، ناهيك عن الصدمة، التي اصابت أقوى جيش في الشرق الأوسط، وحتى بعد أن أسقط قذائف وقنابل بكمية غير مسبوقة (خاصة في الأشهر الأولى من القتال عندما حصلت إسرائيل على تفويض دولي واسع النطاق إن لم يكن على مستوى الرأي العام، فعلى الأقل على مستوى الحكومات ) — حتى بعد الغزو البري لغزة ، ظهر الجيش الإسرائيلي، مرات عديدة، مثل حصان يدوس بقدميه على الأرض، وينفخ من أنفه بغضب، ولكن لاينقض بهجوم بهدف الى تدمير العدو بالكامل.

وحتى لو افترضنا أن حزب الله وحماس قد تعاظما بشكل كبير ووصلا إلى حد “جيش نظامي تقريبا”، فلا بد من التساؤل: من الذي جعل هذا التعاظم ممكنا، هل من خلال غض البصر (كما هو الحال في لبنان) أم من خلال التشجيع غير المباشر (حقائب المال التى نقلت الى حماس في غزة ) ، ألا يتعلق الامر بنفس الأشخاص الذين يديرون النظام، السياسي والعسكري، حتى اليوم ؟ ألسنا نتحدث عن رئيس الحكومة الحالي وعن الذين يدعون الى استبداله؟ ألسنا نتحدث عن نفس قادة الجيش الإسرائيلي ( أو متدربيهم، المستنسخين جينيا ، كل واحد ومجاله) ؟ .

الدعاية في قنوات الذعر

قد تكون هناك أسباب وجيهة لرد فعلنا المهين على إطلاق الصواريخ المتواصل من لبنان، الذي أدى إلى إفراغ الشمال وتحويله إلى حزام أمني يرفرف فوقه علم حزب الله. وقد تكون هناك أسباب وجيهة لتجنب ما كان ينبغي القيام به في غزة، بدلاً من توفير الغذاء وغير ذلك من المعدات الأساسية ( لحماس بشكل مباشر تقريباً ) وللسكان الذين نبت القتلة منهم .

رئيس الحكومة الذي عقد مؤتمراً صحفياً امس لمباركة عملية الاغتيال في بيروت ( في حين اكتفى بالتلميح إلى عملية الاغتيال في طهران)، هو نفسه رئيس الحكومة الذي أوقف القتال في غزة لعدة أشهر، بين اكمال العملية في خان يونس وبين الدخول إلى رفح (حيث يتفاخر الآن) – وليس بسبب المعارضة الأميركية.
رئيس الحكومة الذي كان تفاخر بالعملية في لبنان هو نفسه الذي بسببه أصبح الجليل الأعلى مهجوراً والنقب الغربي منطقة لم يبدأ ترميمها بعد . فهو يختار كلماته بعناية، ويفرق بين القادة والمقاتلين عندما يثني على جرأة الجيش الإسرائيلي – وفي موازاة ذلك يرسل نشطاءه في وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي لينشروا كما لو ان العمليات الثلاثة الأخيرة (بما في ذلك الهجوم على اليمن) هي نتيجة لخروج غانتس وآيزنكوت من حكومة الوحدة – فيما يبدو وكأنه بداية الدعاية الانتخابية، التي تبث أيضاً على الهواء مباشرة على القنوات التي يسميها ابواق نفس القنوات حرفياً “قنوات الذعر”.

الالوية الذين يجلسون في استوديوهات التلفزيون ويشرحون لنا الضرر المحتمل من الرد الإيراني واللبناني المشترك، أو مدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بالعمق الإسرائيلي في حال نشوب حرب شاملة مع لبنان، هم بالضبط الأشخاص الذين كان من المفترض أن يمنعوها من هذه القدرات. أين كان نتنياهو قبل خمس وعشر سنوات ؟ أين كانوا عندما كانوا لا يزالون على رأس الجيش .

شجاعة الهيئة الأمنية

سنحاول الإجابة: الأول كان مهتماً فقط بالشيء الوحيد الذي يهمه حتى اليوم : بقائه السياسي، ومواصلة التمتع بالحكم ومناعم الحكومة المخصصة له ولعائلته. ولماذا اهتم ” احباءالفلافل” الذين أصبحوا معلقين سياسين؟ بالحياة الجيدة في المحور الذي تجنب لاهاي ولكنه استفاد من معاشات التقاعد المتضخمة ومن مهنة جديدة: إن لم يكن حول طاولة الحكومة، فعلى الأقل في الاستوديوهات.

إن الوضع خطير للغاية في كلا القطاعين السياسي والعسكري، لدرجة أنه يبدو في بعض الأحيان أنه حتى ما يتم القيام به بشكل افضل يتم فقط بشرط أن يخدم المصلحة الشخصية لكل من القيادة السياسية والعسكرية.
كلا الجانبين مصابان بالمرض نفسه تمامًا: عندما تسمع أن نتنياهو يُبارك الإنجازات التي تحققت “تحت قيادته” أو على الأقل “بموافقته”، ولكنه يتهرب من المسؤولية فيما يتعلق بما هو ليس على مايرام (ويمكن القول على الاغلب )، فمن الممكن أن تصاب بالفزع .
وفي نفس الوقت: عندما ترى المؤسسة الأمنية تتجمع ضد رئيس الحكومة، سواء فيما يتعلق بمسألة إنهاء القتال في غزة أو بمسألة صفقة الأسرى ، يجب أن تتساءل: أين كانت هذه الشجاعة حتى 7 أكتوبر؟

هل تعاظم حماس وحزب الله إلى درجة أنهم اصبحو يشكلون تهديدا وجوديا على دولة إسرائيل (ونعم، الدولة التي لا ترد في لبنان خوفا من تدمير المنازل والبنية التحتية في وسط البلاد هي دولة تتعرض لتهديد وجودي حقيقي) ما هو إلا خطأ سياسته الخاسرة، تلك التي شاهدتموها من الجانب، مع أنكم كنتم تعلمون كم ستكون عواقبها مدمرة ؟

النصر النهائي والكامل؟

لم أوزع البقلاوة عندما علمت بأمر الاغتيالات، وذلك لأنه في الواقع الذي نعيشه – والأكثر من ذلك، في الطريقة التي ندير بها الهيئة ، فإن كل انتصار هو مؤقت وكل إنجاز هو مجرد مقدمة للضربة المؤلمة التي سنعاني منها في المستقبل والعياذ بالله.
شعب إسرائيل ينظر الى هذا السيناريو وهو يتنقل بين الكبرياء والإهانة، بين دموع الإثارة ودموع الحزن. يريد أن يقول لقادته، سواء أولئك الذين يرتدون البدلات أو أولئك الذين يرتدون الزي الرسمي، إنه مستعد لاستيعاب أي شيء، حتى ولو كانت ضربة مباشرة لبيته، لا سمح الله، لو علم أن ذلك سيؤدي إلى نصر نهائي ومطلق. حتى لو تطلب الأمر محو غزة وتدمير بيروت والهجوم بأسلحة غير تقليدية على طهران (إذا أخذنا السيناريو الأكثر تطرفاً الذي يمكن ان يخطر على البال).
كما هو واضح : إذا كانت هذه الأمور بمثابة امور لايمكن ان تخطر على البال في أي وضع فانه يجب عليهم ان يعترفوا بأنهم غير قادرين وان يرسلونا لطلب الحل في افق سياسي او في حكومة اخرى (عمداً لم أكتب”بديلة” لاننا جربنا هذا الفيلم وغادرناه في منتصفه ).

فقط ذلك فجأة، بالضبط في نفس اللحظة التي أطلقت فيها إسرائيل بالأمس ( نعم، هكذا يقولون في العالم) صاروخاً عبر نافذة صغيرة في طهران، وتنتقل الان لشراء مولدات طاقة بسبب الخطر من مغبة قيام منظمة إرهابية بمهاجمتها من الشمال، بعد أن اجتازت الصواريخ التي بحوزتها « تطويرات دقيقة» في مرائب بيروت، بدأ الخوف يزحف إلى قلبها من أنه لن يتحقق الانتصار .
إذا كانت هناك حكومة في القدس فانه يجب ان تظهر فوراً. و إذا كان هناك جيش اسرائيلي، فإنه يجب عليه ان يظهر أيضاً – ليس في نشاط عملية”جراحية” مهما كانت مذهلة وانما في حركة “كش ملك” أو على الأقل ان يبلغوننا بأنهم غير قادرين على ذلك . هذا لن يحمينا في حال تعرضنا لهجوم صاروخي، ولكن على الأقل سنعرف الحقيقة.

عن موقع والا العبري

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *