إسرائيل أمام خيار إنهاء الحرب أو توسيع جبهاتها 

مفترق الطرق الّذي يواجهه نتنياهو ومجلس حربه وقيادة أركان جيشه بعد أن وصلت حربه على غزّة إلى طريق مسدود، هو بين صفقة تمثّل اعترافًا بالفشل المزدوج الّذي أحاق بإسرائيل وجيشها بعد ثمانية أشهر من حربه الانتقاميّة على هجوم السابع من أكتوبر، والّتي عجز خلالها عن تحقيق أيّ من أهدافها المعلنة، وبين الانزلاق نحو حرب جديدة أمام حزب اللّه اللبنانيّ في الشمال أو فتح جبهة أخرى في الحرب ستكون أكثر شدّة وضراوة، مقابل “عدوّ” أقوى عددًا وعتادًا، يخوضها جيش منهك ومثقل بإحباط ثمانية أشهر من حرب دون طائل في غزّة.

وكعادة أميركا “الأب الراعي” الّتي هبّ رئيسها وإدارتها وأساطيلها وطائرات جسرها الجوّيّ لنجدة إسرائيل عسكريًّا، واستنهاضها بعد الفشل الّذي منيت به في السابع من أكتوبر، فإنّها تهبّ مجدّدًا لنجدة إسرائيل، سياسيًّا هذه المرّة، وانتشالها من الفشل العسكريّ والسياسيّ والأخلاقيّ الّذي أصابها في غزّة، وحتّى إنقاذها من نفسها، ومن قيادتها السياسيّة والعسكريّة الّتي أفقدها الفشل المزدوج الّذي منيت به توازنها، وباتت عرضة لاتّخاذ خطوات من شأنها أن تعرّض وجود إسرائيل للخطر.

وبدون شكّ، فإنّ اقتراح بايدن لصفقة تبادل الأسرى التي ما زال يرفضها نتنياهو، متنصّلًا من حقيقة أنّه اقتراح إسرائيليّ، بل اقتراحه الشخصيّ، هذا الاقتراح هو مخرج يعيد لإسرائيل أسراها، ويخرج جيشها من وحل غزّة ويكافئها، أيضًا، على عدوانها بجائزة تطبيع مع السعوديّة، مقابل وقف إطلاق النار والعودة إلى مسار حلّ الدولتين ومسيرة مفاوضاته العبثيّة الّتي استمرّت 30 سنة دون طائل.

في المقابل، فإنّ مواصلة الحرب سيواجه بـ”الحقيقة المرّة” بلسان رئيس “الموساد” الأسبق داني يتوم، وهي عدم القدرة على هزيمة حماس والجهاد بالوسائل العسكريّة، وعدم القدرة على تحقيق أهداف الحرب في الشمال والجنوب، الأمر الّذي سيبقي المختطفين الإسرائيليّين في الأنفاق، ويمنع آلاف اللاجئين الإسرائيليّين في الشمال والجنوب من العودة إلى بيوتهم، إضافة إلى تصعيد دول العالم من خطواتها المناهضة لإسرائيل.

ياتوم هو واحد من عشرات الأصوات الإسرائيليّة الّتي تضمّ عسكريّين ورجال أمن سابقين وخبراء استراتيجيّين وغيرهم، ممّن باتت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيليّة تزخر بمقالاتهم وتصريحاتهم الداعية إلى وقف الحرب؛ لأنّها فشلت في تحقيق أهدافها، ولن يؤدّي استمرارها إلّا إلى مزيد من التآكل في قدرات وهيبة الجيش وقوّة الردع الإسرائيليّة، وليس إلى أيّ نصر مزعوم.

هذا ناهيك عن أنّ استمرار الحرب من شأنه أن يفضي إلى اشتعال الجبهة الشماليّة وتحوّل القتال المحدود الدائر هناك إلى حرب شاملة، لن يستطيع الجيش الإسرائيليّ النهوض بأعبائها، وهو ما يحذر منه ما بات يعرف إسرائيليًّا بـ”نبيّ غضب” الجنرال احتياط يتسحاق بريك الّذي عبر في مقال نشرته “معاريف”، عن تخوّفه من أن يتّخذ من أسماهم بالقباطنة الثلاثة، نتنياهو، غالانت وهليفي، الّذين يمسكون بمصير دولة إسرائيل بأيديهم، قرارًا غير عقلانيّ وغير سويّ، ويقامروا بمصير دولة إسرائيل بالخروج بهجوم ضدّ حزب اللّه.

بريك يحذر من أنّ الثلاثة باتوا مغلقين بشكل تامّ ولا يستمعون لأحد، بل يعيشون في فقّاعة، حتّى إنّ قيادة الجيش من ضبّاط كبار وصغار فقدوا الثقة بقائد الأركان والقيادة السياسيّة، الّذي تعرّض لهجوم من الجنرالات الذين طالبوه بالاعترف بمسؤوليّته والاستقالة.

ويتابع بريك تحذيره قائلًا، هل نواصل إيداع مصيرنا بأيدي آباء الفشل، نتنياهو، غالانت، وهليف؟ وهم في ضائقتهم الصعبة، بعد أن خسروا عالمهم، وليس لديهم ما يخسرونه بعد فشلهم الكبير في هجوم السابع من أكتوبر، ونواصل تجاهل فشلهم في إنجاز أهداف الحرب المتمثّلة بالقضاء على حماس وإعادة المخطوفين إلى بيوتهم، إضافة إلى الفشل أمام حزب اللّه في الشمال، والّذي يتبدّى في المستوطنات الخربة والحرائق الّتي تأتي على الأحراش والمراعي والأراضي الزراعيّة، وكلّ بقعة في الطبيعة.

خلاصة القول إنّ الوضع على الجبهة الشماليّة بلغ النقطة الّتي ستنقل المعركة الدائرة هناك إلى حرب شاملة، إلّا إذا تمّ تدارك الأمر من خلال وقف الحرب على غزّة في إطار صفقة تبادل أسرى، تؤدّي بدورها إلى وقف القتال على جبهات الإسناد وأهمّها الجبهة الشماليّة الّتي يقودها حزب اللّه اللبنانيّ، وهو ما يشكّل بدوره ورقة ضغط إضافيّة باتّجاه التوصّل إلى صفقة تبادل.

عن عرب 48

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *