إسرائيل:سؤال الديمقراطيّة والاحتجاجات التي تستثني الفلسطينيين

المفارقة في السياق الإسرائيلي الراهن، أن أقطاب المعارضة من الوسط واليمين الصهيوني الديني والعلماني الليبرالي واليسار الصهيوني، واليسار الراديكالي، هم من ناشطي الكتلة المناهضة للاحتلال (كما يطلقون على أنفسهم في إسرائيل)، ودعاة الديمقراطية والمساواة بين اليهود والفلسطينيين، وهم أنفسهم من شكلوا ما يسمّى “حكومة التغيير”. الأهم، أنهم يقودون الاحتجاجات منذ نحو ثلاثة أشهر ضد حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم من الفاشيين والعنصريين من اليمين الجديد واليهود المتدينين المتطرفين “الحريديم”.

يدّعي بعض قادة الاحتجاج أن الانقسام بين المعسكرين والفارق الحقيقي بينهما، هو  وجود معسكر ديمقراطي يؤمن بالحرية والحقوق المدنية ويدعم المساواة، يقابله  معسكر يتمسك بقناعة تفوّقه على الآخرين.

يُطالب المتظاهرون بقوانين أساسية تصون الحقوق المدنية، وتحمي كرامة الإنسان وحريته وتمنع التمييز، وتضمن المساواة والحق بحرية التعبير عن الرأي والتظاهر والتجمع السلمي، الخطوة التي لم تتمكن إسرائيل من تحقيقها حتى اليوم،  بسبب التزامها التاريخي بنظرية “التفوق اليهودي” وخوفها من الحريديم المتطرفين.

بعد سقوط حكومة نتنياهو في انتخابات العام 2021، وتشكيل حكومة التغيير التي استمرت لمدة عام، اعتقد هؤلاء إلى جانب ناشطين من اليسار، ومن يناهضون الاحتلال في الضفة الغربية، ويتضامنون مع الفلسطينيين ويرصدون جرائم المستوطنين والجيش الإسرائيلي وانتهاكاتهم في الضفة الغربية، أنهم حققوا إنجازاً.

يلخَّص هذا “الإنجاز” بصعود حكومة التغيير للحكم، التي تم الترحيب بها بشكل كبير، رافقه شعور بالارتياح، إذ مُنحت فرصة للعمل، بوصفها أفضل من حكومات نتنياهو السابقة.

هذه الحكومة التي تشكلت من ائتلاف هجين، اجتمع فيها الخصوم جنباً إلى جنب، إذ حوت اليسار (حزبا العمل وميرتس)، مع صقور اليمين (نفتالي بينت وليبرمان) وأصحاب فكرة أرض إسرائيل الكاملة (جدعون ساعر وغيره)،  وتم الاعتراف بهذا الاصطفاف بوصفه نصراً.

تلك الحكومة سجلت تحت مظلتها نسباً عالية من الجرائم ضد الفلسطينيين، من هدم المنازل في القدس والضفة الغربية، والقتل اليومي ومصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني، وكانت الأكثر دموية بالنسبة الى الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ نحو عقدين، إذ عززت الاستيطان وعمّقته، وتمسكت بقوانين الفصل العنصري في الضفة الغربية وترسيخها.

جاءت حكومة نتنياهو الجديدة على أنقاض حكومة التغيير، وهي أكثر أيديولوجية وذات غالبية صلبة ومتماسكة بـ 64 عضواً في الكنيست، وتتشكل من ائتلاف يميني قومي ديني، من أقصى اليمين العنصري، ما جعل الأخير أكثر غطرسة، ففرض نفسه بقوة لم يعتقد هو ولا القوى غير اليمينية في إسرائيل، أنها موجودة.  

التحضير للانقلاب على النظام القضائي ليس جديداً، ولم يظهر الى العلن الآن، إذ حاولت القوى المشكلة للائتلاف الحاكم الحالي الاقتراب من السيطرة في الانتخابات الأولى لعام 2019 بثقة بأنهم الغالبية. 

هذه الثقة مبنيّة على منطق ديمغرافيّ، فالحريديون المتطرفون والقوميون المتدينون والشرقيون التقليديون، ظنّوا أن عددهم كاف لتأمين 61 مقعداً في الكنيست، لكن على مدار أربع دورات انتخابية، لم تتحقق هذه الغالبية، فبدأ تشكيل تحالفات مع أحزاب اليسار الوسطي،  بل إن أحد الأحزاب الممثلة للفلسطينيين انضم إلى الائتلاف، ونقصد الحركة الإسلامية الشمالية. 

يذكر الكاتب ميرون رابوبورت في  مقال له، أن هذا الواقع يخفي رغبة في الانتقام من الائتلاف الحاكم وضمان حكم اليمين والسماح له بتحقيق أجنداته، من مأسسة الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة، مروراً بطرد الفلسطينيين وفقاً لصاحب خطة الحسم بتسلئيل سموترتش، إلى جانب ضمّ الضفة وإقامة دولة الشريعة وتهويد النقب والجليل،  وطرد الأحزاب الفلسطينية من الكنيست، وسحق مراكز القوة العلمانية الليبرالية في المجتمع اليهودي. 

لا يمكن تحقيق ما سبق إلا من خلال تطهير المحكمة العليا، بعبارة أخرى، قرار الائتلاف اليميني وضع كلمة “يهودية” رسمياً فوق كلمة ديمقراطية رسالة ذو معنى،  أي، يجب أن تكون إسرائيل دولة يهودية،  وإن كانت ديمقراطيّة  فلا بأس بذلك، لكن الأمر ليس ضرورياً حقاً.

عن موقع درج ميديا

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *