إذا كان السنوار شيطانا، فماذا تكون إسرائيل؟
“كان العنوان الرئيسي في صحيفة يديعوت أحرونوت اليومية هو “الشيطان القادم من غزة”. وتنافس مذيعو الأخبار التلفزيونية في استخدام اللغة البذيئة، ووصفوا السنوار بالعدو اللدود، والقاتل الحقير، والقاتل الأكبر. وقارنوه بأدولف هتلر ووصفوه بالجرذ.
لا جدوى من إضافة كلمات إلى عرض جسده المحطم ورأسه المهشم، وفمه مفتوح وأسنانه مفحوصة وكأنه وحش، أو إلى الازدراء بمحاولته الدفاع عن نفسه بعصا بيد واحدة لم تُقطع. كان هذا هو الرجل، وهذه هي إسرائيل، لن نحاول إيقاف فرحتها.
ولكن هناك أمر واحد لا ينبغي لنا أن نتجاهله: افتقارنا إلى الوعي الذاتي وعمى بصيرتنا. فإذا كان يحيى السنوار هو الشيطان، فكيف يمكننا أن نصف سلوك إسرائيل خلال العام الماضي؟
وكيف ينظر إليها العالم؟ إذا اقتبس داني كوشمارو ، مذيع القناة 12 صوت الجماهير الإسرائيلية قصيدة بياليك المبتذلة “انتقام مثل هذا، لدم طفل، لم يبتكره الشيطان بعد”. بعد مقتل 22 طفلا بصاروخ من حزب الله في 27تموز/يوليو/. فماذا يمكننا أن نقول عن 17 ألف طفل فلسطيني قتيل في غزة، والانتقام لدمائهم؟
لن نقول أي شيء. فالـ 22 طفل كانوا لنا، والـ 17 ألف طفل كانوا لهم. وكيف يمكنك مقارنتهم؟
لا انتقام، ولا رحمة، حتى أنه لم يتم الإبلاغ عن ذلك.
يستحق السنوار كل الألقاب التي تلصق باسمه، لكن ليس لإسرائيل الحق في القيام بذلك.
إن الدولة الغارقة في دماء غزة وخرائبها إلى هذا الحد لا تملك المبرر الأخلاقي بوصف عدوها القاسي المرير بالشيطان، قبل أن تفحص أفعالها.
فكيف لإسرائيل أن تشكو من قسوة السنوار دون أن يرف لها جفن؟
دون أن تتلعثم؟
دون أن تشعر بالانزعاج أو الحرج؟.
إن حقيقة أن إسرائيل لا تبلغ عن سفك الدماء والدمار الشامل في غزة لا تجعل هذه الأعمال أقل قسوة. بل على العكس من ذلك، فإنها تجعل هذه الأفعال أكثر قسوة.
ولو كانت إسرائيل على الأقل على دراية بأفعالها، وواجهتها بشكل مباشر مع المطالبة بحقها في الدفاع عن نفسها، وهو الحق الذي يسمح لها بفعل أي شيء تريده. لكان من الممكن أن يفهمها المرء، بالتأكيد أكثر من فكرة أننا إذا لم نواجه الواقع فهو غير موجود.
وأننا إذا لم نظهر قسوتنا، فلا يمكن توزيعها إلا على
الشيطان من غزة.
في نظرنا، فإن السنوار هو الشيطان، ونحن ملائكة
السلام والرحمة.
هذه ليست مجرد “ماذا عن ؟ “.
إن عمى إسرائيل هو الآن أحد أكبر العقبات في الطريق لإنهاء هذه الحرب الرهيبة التي لا تشبع. إن تقديم العدو على أنه الشيطان دون النظر في المرآة يمكّننا من تبرير استمرار هذه الحرب إلى الأبد.
إن هذه الحرب بين الخير المطلق والشر المطلق لا يمكن أن تتوقف، ونحن جميعا نؤيدها.
إن الرضا عن الذات، والشعور بالتبرير الكامل، والافتقار إلى الاختيار، كل هذا يحفز العديد من الإسرائيليين على الاستمرار في دعم الحرب.
وهذا أيضا ما يجعل العديد من الإسرائيليين يفشلون في فهم سبب معارضة العالم لنا.
عندما نتحدث عن الشيطان، فمن الصعب أن نعرف من أين نبدأ.
– هل هو من خلال تقرير التحقيق الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي، والذي تضمن شهادات 65 من العاملين في المجال الطبي في غزة، بما في ذلك أدلة على إطلاق النار المتعمد على الأطفال، وكل شهادة كانت أقسى من الأخرى؟
– هل هو مشهد الأطفال وهم يحترقون حتى الموت الأسبوع الماضي خارج مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح؟
لقد تم عرض صورهم في جميع أنحاء العالم.
– هل هو الأيام الاثني عشر التي لم يتم فيها إدخال أي مساعدات إلى غزة
– ربما هو نزوح 50 ألف شخص إضافي من جباليا الأسبوع الماضي
– أو قتل 379 فلسطينيا آخرين في ذلك الأسبوع؟
– أو الثلاثة ملايين نازح من بيوتهم في غزة ولبنان، يتنقلون ذهابا وإيابا في خوف ودون أي ممتلكات؟
إسرائيل لا ترى أي شيء من هذا. والعالم لا يتوقف عن رؤية ذلك.
إذا كان السنوار هو الشيطان، فكيف سيعرف العالم إسرائيل؟ وكيف سنصف أنفسنا؟!
عن هآرتس