إدارة بايدن والشأن الفلسطيني: انفراجات محدودة… وحلول مؤجّلة


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

تحت عنوان “19 فكرة مفيدة لإدارة بايدن لتفادي الصراعات” نشرت “مجموعة الأزمات الدولية” International Crisis Group، بمقريها في بروكسل وواشنطن، نصاً مؤرّخاً ليوم 28 كانون الثاني/يناير 2021 يقترح صيغاً معينة لتعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع عددٍ من الأزمات القائمة أو المحتملة في أنحاء العالم. وحمل البند السابع من هذا النص عنوان: “إسرائيل – فلسطين: وضع الحقوق الفلسطينية في المركز”.

ومما جاء تحت هذا العنوان: “عبر السنين، كانت سياسات الولايات المتحدة تقود الى نتيجةٍ غير ملائمة، وإن في بعض الأحيان غير مقصودة، عبر تسهيلها تدعيم السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين. وما كان غير مقصود أصبح هدفاً في ظل إدارة ترامب، التي شجّعت البناء الاستيطاني وأطلقت في كانون الثاني/يناير 2020 “خطة السلام مقابل الازدهار” التي انحازت بشكلٍ حاسم لصالح استمرار الاحتلال الإسرائيلي. وربما خدمت السلسلة الأخيرة من اتفاقات التطبيع والتقارب الدبلوماسي التي عملت عليها الولايات المتحدة بين إسرائيل ودول عربية بعض الأهداف الإيجابية. ولكنها لم تكن مرتبطةً بأي تقدمٍ في عملية السلام وفي الوضع الحياتي للفلسطينيين”.(1)

ودعا نص مجموعة الأزمات الدولية الإدارة الأميركية الجديدة الى التنصّل من خطة ترامب لمطلع العام 2020، كما دعاها الى التأكيد على انه “إذا ما استمرت إسرائيل في عرقلة إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وقابلة للحياة، فإن أي بديلٍ لحلّ الدولتين ينبغي أن يحترم الحق في المساواة الكاملة ومنح الحقوق السياسية لكل من يعيش في أية مساحة تسيطر عليها إسرائيل”. كما أن على الإدارة أيضاً أن “تقاوم أية نزوة للانجراف في عملية سلام لمجرد إبقاء الانطباع بوجود تقدم”. و”عليها أن تمتنع عن أعمالٍ تُحصِّن إسرائيل من أكلاف احتلالها وتجعل تحقيق السلام أكثر صعوبةً، من نمط استخدام حقّ النقض (فيتو) ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عندما يقود ذلك الى تقويض سياسة الولايات المتحدة (من خلال تقويض حل الدولتين، على سبيل المثال) أو القانون الدولي”.(1)

فهل ستأخذ إدارة بايدن بمثل هذه الأفكار؟

صحيح أن مدير ’مجموعة الأزمات الدولية’ خلال الأعوام الثلاثة الماضية (منذ اليوم الأول للعام 2018)، روبيرت مالي Malley، الموظف الكبير السابق في إدارتي ويليام كلينتون وباراك أوباما، عيّنته إدارة بايدن الجديدة مبعوثاً خاصاً لها في الملف الإيراني، وصحيح أن مستشار الأمن القومي الجديد للرئيس بايدن، جيك سوليفان Jake Sullivan، كان في الماضي مشاركاً في مجلس أمناء ’مجموعة الأزمات الدولية’. لكن كل المؤشرات والتصريحات التي أطلقها مسؤولو الإدارة الجديدة لا توحي بأن الإدارة ستذهب كثيراً في الاتجاه الأساسي الذي أوصى به النصّ المشار اليه أعلاه في موضوع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ربما باستثناء احتمال تجاوبها مع مقترح “مقاومة الانجراف في عملية سلام” ظاهرية. هذا، في حين أن من الممكن أن تأخذ الإدارة بأفكارٍ أخرى متعلّقة بجبهات صراعٍ وأزماتٍ أخرى، بما فيها الجبهة الإيرانية، التي دعا النص المذكور بشأنها الى “العودة الى الاتفاق النووي”.

وليس مستغرباً، في هذا السياق، أن يكون روبيرت مالي قد كُلّف بالملف الإيراني، وليس بالملف الفلسطيني – الإسرائيلي، مع انه صاحب خبرة طويلة في الموضوع الأخير، وسبق أن شارك في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي جرت تحت الرعاية الأميركية في الماضي، بما في ذلك في اجتماعات منتجع كامب ديفيد في صيف العام 2000. ولا شكّ أن المعارضة الواسعة التي لقيها تعيين مالي في موقع المبعوث للملف الإيراني تعود جزئياً، الى جانب موقفه الداعي الى العودة الى اتفاقية العام 2015 مع إيران، وهي الاتفاقية التي كان قد شارك في التمهيد لها، الى مواقفه النقدية لسياسات إسرائيل، بما في ذلك في مقالاتٍ كتبها وتناول فيما تناول فيها مجريات مؤتمر كامب ديفيد 2000 بلهجةٍ لم تلقَ ارتياحاً لدى الجانب الإسرائيلي وأصدقائه في الولايات المتحدة.

وواقع الحال إن الشخصيات المقرّرة في الإدارة الأميركية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس جوزف بايدن نفسه ونائبته كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، كانت لهم إعلانات ومواقف واضحة في دعم إسرائيل والدفاع عنها. وبمعزلٍ عن هذه المواقف القديمة، فإن التصريحات العديدة التي صدرت مؤخراً عن كبار المسؤولين الجدد في واشنطن أوضحت الى حدٍ كبير الملامح العامة للسياسة المحتملة للإدارة خلال أعوام ولايتها الأربعة تجاه الملف الفلسطيني – الإسرائيلي.

تراجع عن بعض إجراءات إدارة ترامب، وليس كلها

ففي جلسة مجلس الأمن الدولي التي انعقدت يوم 26 كانون الثاني/يناير 2021 لمناقشةٍ مفتوحةٍ للوضع في الشرق الأوسط، قرأ القائم بأعمال مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، السفير ريتشارد ميلز Mills، بياناً مكتوباً (أي انه من المؤكّد صيغ بإشراف أعلى المستويات في الإدارة الجديدة، علماً بأن وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن لم يكن في ذلك اليوم قد تولّى مسؤولياته رسمياً بعد، وهو ما حدث في اليوم التالي، كما أن المندوبة الجديدة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد لم تكن قد حازت على مصادقة مجلس الشيوخ لبدء ممارسة مهماتهما، وهو ما تحقّق بعد ذلك بأيامٍ قليلة). ومما جاء في هذا البيان الذي قرأه ميلز انه “في ظل الإدارة الجديدة، ستكون سياسة الولايات المتحدة قائمة على دعم ’حل دولتين’ متفقٍ عليه”.(2) وتعبير “متفقّ عليه” مهمٌ جداً هنا، لأنه يعني بالأساس بأن الإدارة الأميركية لن تضغط على الجانب الإسرائيلي للتوصّل الى حلٍ لا يرضى عنه. وهو، على أية حال، ما أوضحه المندوب الأميركي في سياق مداخلته: “لا يمكن فرض السلام على أيٍ من الطرفين، الإسرائيليين أو الفلسطينيين”… والانخراط الدبلوماسي للولايات المتحدة سينطلق من الفرضية بأن التقدّم القابل للاستمرار ينبغي أن يرتكز على التشاور النشط مع الطرفين، والنجاح اللاحق يتطلّب موافقةً فاعلة من كلا الطرفين”. (2)

ولمزيدٍ من تخفيض مستوى التوقعات، أضاف بيان المندوب الأميركي: “لسوء الحظ، كما أعتقد بأنكم سمعتم، فإن القيادات المعنية لها مواقف متباعدةٌ جداً بشأن قضايا الوضع النهائي، والعمل السياسي الإسرائيلي والفلسطيني مشحونٌ، والثقة بين الجانبين في أدنى مستوياتها”. ومع ذلك، فإن “… الولايات المتحدة ستحثّ حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية على تفادي خطواتٍ أحادية الجانب تجعل حلّ الدولتين أكثر صعوبةً، مثل ضم أراضٍ، والنشاط الاستيطاني، والهدم، والتحريض على العنف، وتأمين التعويضات لأشخاصٍ اعتُقلوا نتيجة أعمالٍ إرهابية”، على حد تعبيره. وهي صياغةٌ حاولت أن تساوي بين “أفعال” إسرائيل المسيطرة عسكرياً على الأراضي المحتلة و”ردود فعل” الطرف الفلسطيني الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية تجاه هذه الأفعال. وأضاف بيان المندوب الأميركي: “نأمل انه سيكون ممكناً البدء في العمل لبناءٍ بطيء للثقة على الجانبين لتأمين بيئةٍ نتمكّن في إطارها مرةً أخرى من المساعدة في التقدّم نحو حلّ”.(2) وبشأن المساعدات التي أوقفتها الإدارة الأميركية السابقة، إدارة دونالد ترامب، عن الجانب الفلسطيني، جاء في بيان المندوب الأميركي: “كان الرئيس بايدن واضحاً في نيته إعادة برامج المساعدة الأميركية التي تدعم التطور الاقتصادي والدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، واتخاذ خطواتٍ لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية التي أغلقتها الإدارة الأميركية السابقة”، والمقصود، بالأساس، هنا هو إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، التي أغلقتها إدارة ترامب وألحقتها بسفارتها الجديدة في القدس الغربية، إمعاناً في نفي الحق الفلسطيني في القدس الشرقية، وكذلك إعادة فتح مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وكلا الأمرين يتطلّبان إجراءاتٍ قانونيةً وإدارية أميركية وإسرائيلية ليس واضحاً حتى الآن إذا ما كانت مضمونة التحقّق.

وحتى لا يُفهم ذلك بأنه يشكّل تغييراً كبيراً على المواقف المعهودة للإدارات الأميركية التي سبقت إدارة ترامب تجاه إسرائيل، أضاف بيان المندوب الأميركي: “في الوقت ذاته، عليّ أن أكون واضحاً: ستحافظ الولايات المتحدة على دعمٍ ثابت لإٍسرائيل. وستواصل الولايات المتحدة، في ظلّ إدارة بايدن، سياستها المتّبعة منذ فترةٍ طويلة في معارضة قراراتٍ وإجراءاتٍ أحادية الجانب في الهيئات الدولية، تستهدف إسرائيل بشكلٍ خاص وغير منصف. كما ستعمل الولايات المتحدة على تطوير مكانة إسرائيل ومشاركتها في هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى”. وبشأن اتفاقات التطبيع التي رعتها إدارة ترامب بين إسرائيل وعددٍ من الدول العربية وغير العربية، ورد في بيان المندوب الأميركي: “…إدارة بايدن ترحّب باتفاقات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل ودولٍ من العالم العربي عضوة في الأمم المتحدة، كما وبلدانٍ ذات أغلبية مسلمة… ولكننا نقرّ بأن التطبيع العربي- الإٍسرائيلي ليس بديلاً عن السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. وربما لا يكون الصراع بين الإٍسرائيليين والفلسطينيين خط الصدع الكبير في الشرق الأوسط. ولكن حلّه رغم ذلك سيكون مفيداً للمنطقة ككل بشكلٍ ملموس. وتأمل الولايات المتحدة بأن يكون ممكناً أن يجري التطبيع بطريقةٍ تفتح الأبواب أمام احتمالاتٍ جديدة لتقدّم حلّ الدولتين”.(2)

وما قرأه المندوب الأميركي بالوكالة في الأمم المتحدة ورد كذلك، بشكلٍ أو بآخر، على لسان عددٍ من كبار المسؤولين الجدد في إدارة بايدن، مما يؤكّد أن ما قيل في جلسة مجلس الأمن كان، بالتأكيد، تعبيراً عن المواقف الرسمية، المعدّة بعناية، لهذه الإدارة.

فأثناء استجوابه في مجلس الشيوخ، يوم 19 كانون الثاني/يناير 2021، بهدف تثبيت تعيينه وزيراً للخارجية، رد أنتوني بلينكن Blinken على ملاحظةٍ لأحد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في المجلس بشأن الموقف من ’ اتفاقات أبراهام’ وبشأن حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات”- ’ بي دي إس’ BDS – قائلاً: “أنا أدعم ’ اتفاقات أبراهام’. أشيد بالعمل الذي جرى لإنجازها، وأعتقد أنها عزّزت بشكلٍ ملموس أمن إسرائيل وأمن البلدان المعنية. وهي تفتح آفاقاً واحتمالاتٍ في ما يتعلّق بالتنقل، والأعمال، والتجارة، وهذا كله إيجابيٌ جداً جداً، وآمل بأن تتوفّر لنا الفرصة للبناء عليه في عملنا القادم. أما في ما يتعلق بـ’بي دي إس’ فإن الرئيس المنتخب – وأنا أشاطر بقوة هذه القناعة- يعارض بشكلٍ حازم ’بي دي إس’… فهي تخصّص إسرائيل وحدها بشكلٍ غير منصفٍ وغير ملائم. هي تخلق معياراً مزدوجاً، ومعياراً لا نطبّقه على بلدانٍ أخرى… بالطبع، نحن نحترم بشكلٍ كامل وسنحترم دائماً الحقوق التي يضمنها ’التعديل الأول’ First Amendment للأميركيين بقول ما يؤمنون به وما يعتقدونه، ولكن ’بي دي سي’ نفسها هي شيءٌ نعارضه”.(3)

وكرّرت جانيت يلين Janet Yellen الموقف ذاته في جلسةٍ من جلسات لجنة المالية في مجلس الشيوخ التي انعقدت لمناقشة قرار تعيينها في موقع وزيرة الخزانة في إدارة بايدن. فقالت رداً على استفسارٍ من أحد أعضاء اللجنة بشأن الحملات الداعية لمقاطعة إسرائيل ودور وزارة الخزانة في مواجهتها: “الرئيس بايدن قاد الجهود لمعارضة نزع الشرعية عن إسرائيل، سواء في المنظمات الدولية أو من خلال حركة ’ المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات’ (BDS) في الولايات المتحدة. وأنا أدعم مقاربة الرئيس بايدن بمعارضة محاولاتٍ كهذه، وإذا ما جرت المصادقة على تعييني، سأعمل كوزيرة خزانة لمعارضة نشاطات ’بي دي إس’ الموجّهة ضد إسرائيل”.(4)

أما ليندا توماس غرينفيلد Linda Thomas-Greenfield، التي رُشّحت من قبل إدارة بايدن لتولي مسؤولية مندوبة الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة، فقالت في جلسة الاستجواب التي انعقدت في مجلس الشيوخ، يوم 27 كانون الثاني/يناير 2021، رداً على سؤالٍ بشأن ملاحقة إسرائيل في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها: “حول مسألة إسرائيل، كان الرئيس بايدن أحد أقوى داعمي إسرائيل خلال الخمسين سنة الماضية من عمله المهني، وتعلمون كلكم ذلك جيداً. والرئيس يرى بأن الروابط بين بلدينا متأصّلةٌ في مصلحتنا الإستراتيجية وقيمنا المتشاركة. ولذلك إذا ما تمت المصادقة على تعييني … أتطلع الى الوقوف مع إسرائيل، الوقوف صد الاستهداف غير المنصف لإٍسرائيل، والقرارات المتلاحقة التي تُطرح ضد إسرائيل بشكلٍ غير منصف، وآمل العمل عن كثب، وأتطلع بالفعل للعمل عن كثب، مع السفارة الإسرائيلية والسفير الإسرائيلي لدعم أمن إسرائيل ولتوسيع الفرص الاقتصادية للإسرائيليين والأميركيين على حدٍّ سواء، ولتوسيع دائرة السلام. أعتقد انه غنيٌ عن القول بأن لا صديقَ أقرب لإسرائيل من الولايات المتحدة، وسأعكس ذلك في أعمالي في الأمم المتحدة”.(5)

وذهبت أبعد من ذلك حين سُئلت عن موقفها من ’ اتفاقات أبراهام’ للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية أو ذات أغلبية مسلمة: “أنظر الى اتفاقات أبراهام بأنها توفّر لنا فرصةً للعمل بطريقةٍ مختلفة مع البلدان التي اعترفت بإسرائيل. ومرةً أخرى… نحن نحتاج لدفع هذه البلدان لتغيير مقاربتها في الأمم المتحدة. إذا كانوا سيعترفون بإسرائيل في ’ اتفاقات أبراهام’ فعليهم أن يعترفوا بحقوق إسرائيل في الأمم المتحدة… أنوي العمل عن كثب مع السفير الإسرائيلي، الى جانب زملائي في أنحاء العالم. لأن ذلك ليس شأناً محصوراً في نيويورك فقط…”.

وفي حديثها عن حركة ’بي دي إس’ BDS تجاوزت تعبيرات زملائها الآخرين، لتعتبرها ليست فقط “غير مقبولة”، وإنما “تقترب من اللاسامية”، وتعهّدت بـ “ألّا يتمّ السماح لهم بأن يكون لهم صوتٌ في الأمم المتحدة”، وبأنها تنوي “العمل بشكلٍ قويٍ جداً ضد ذلك”.(5)

الكاتب الأميركي المناهض للصهيونية فيليب وايس Weiss لفت في مقالةٍ نشرها على موقع “موندووايس” Mondoweiss، الذي يُشرف هو عليه، الانتباه الى أن أنتوني بلينكن، خلال استجوابه في مجلس الشيوخ، “لم يذكر أبداً الاحتلال ولا حقوق الإنسان الفلسطيني أو حتى المستوطنات”، بل هو ذهب الى حدّ الإشادة ببعض سياسات ترامب في الشرق الأوسط، حين قال: “أعتقد من حيث كنت موجوداً أن هناك عدداً من الأمور التي قامت بها إدارة ترامب خارج حدودنا بإمكاني التصفيق لها… ’اتفاقات أبراهام’، بالتأكيد… العمل الذي جرى لدفع التطبيع مع إسرائيل، أصفّق له. هذا يجعل إسرائيل أكثر أمناً، هذا يجعل المنطقة أكثر أمناً. وهذا أمرٌ جيد. وآمل أن يكون بإمكاننا البناء على ذلك”. ورداً على سؤال لعضو مجلس الشيوخ المعروف ليندزي غراهام: “هل تعتبر إسرائيل دولةً عنصرية؟”، أجاب بلينكن: “لا أرى ذلك”. وأكّد موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة المعروف: “التزامنا تجاه أمن إسرائيل مقدس، وهذا شيءٌ يشعر به الرئيس المنتخب بشكلٍ قويٍ جداً”. وإن كان قد أضاف: “الرئيس المنتخب يعتقد، وأنا أشاطر هذا الاعتقاد، بأن السبيل الأفضل، وربما السبيل الوحيد، لضمان مستقبل إسرائيل كدولةٍ يهوديةٍ ديمقراطية ولإعطاء الفلسطينيين الدولة المخولة لهم هو من خلال ما يُسمى بـ ’ حل الدولتين’، وهو حلٌ يواجه في هذه الآونة تحدياً شديداً بشكلٍ واضح”. وفي استطرادٍ يهدّئ بالتأكيد أي قلق لدى بعض أنصار إسرائيل الرافضين لأي حلٍ يتضمن التخلّي عن أراضٍ تسيطر عليها إسرائيل حالياً، أضاف: “أعتقد بشكلٍ واقعي بأنه من الصعب رؤية آفاق قريبة المدى للتقدّم بهذا الشأن”.(6)

بحيث يصبح هذا الموقف المعلن من ’حل الدولتين’ أقرب، في الواقع، الى رفع العتب، وعودةً الى سياساتٍ اتبعتها الإدارات الأميركية التي سبقت إدارة ترامب، بما فيها إدارة باراك أوباما، التي عمل فيها بلينكن في مواقع مسؤولية رفيعة، حيث اعتمدت بعض هذه الإدارات الإقرار اللفظي بحقّ الفلسطينيين في دولةٍ لهم، ولكن دون القيام بأي عملٍ مؤثّر لضمان تحقّق هذا الهدف أو لمنع الأعمال التي تسدّ الطريق أمام تحقّقه، مثلاً من خلال ممارسة ضغوطٍ ملموسةٍ على إسرائيل. ويستبعد المتابعون، بالفعل، أن تمارس إدارة بايدن أية ضغوطٍ على إسرائيل، بما في ذلك ربط المساعدات العسكرية لها باحترام حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وهو مطلبٌ دعا إليه عددٌ قليل من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وفي المقدمة عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز ونواب “الزُمرة” The Squad في مجلس النواب، المحسوبون على الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، والذين شهدوا زيادةً في عددهم بعد الانتخابات الأخيرة في تشرين الثاني/نوفمبر. وذهب فيليب وايس الى حدّ اعتبار لغة بلينكن خلال استجوابه في مجلس الشيوخ خطوةً الى الوراء، في نظره، عن لغة وزير الخارجية الديمقراطي السابق في عهد أوباما، جون كيري Kerry.(6)

وفي مؤتمره الصحافي الافتتاحي يوم توليه صلاحياته في وزارة الخارجية، يوم 27 كانون الثاني/يناير، بعد تثبيته في مجلس الشيوخ بأغلبيةٍ ملفتة شملت أكثر من نصف الجمهوريين (78 مقابل معارضة 22)، أكّد بلينكن ما سبق وذكره بشأن الموقف من التطبيع بين إسرائيل وعددٍ من الدول العربية وذات الأغلبية المسلمة، فقال رداً على سؤال بشأن ’ اتفاقات أبراهام’: “نحن ندعم كثيراً ’ اتفاقات أبراهام’. نحن نعتبر تطبيع إسرائيل للعلاقات مع جيرانها وبلدانٍ أخرى في المنطقة تطوراً إيجابياً جداً، وهكذا قمنا بالترحيب به، ونحن نأمل بأن تتوفّر فرصةٌ للبناء عليه في الأشهر والسنوات القادمة”. (7) واستطرد بأنه يجري التدقيق في أية التزامات اتُخذت في سياق تأمين هذه الاتفاقات، في إشارةٍ الى الرشى التي قدمتها إدارة ترامب السابقة للدول العربية، وغير العربية، المطبّعة. ولكنه تفادى الرد على سؤالٍ بشأن الالتزام الأميركي مع المملكة المغربية بالاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية، وهو التزامٌ لقي معارضةً من عددٍ كبير من الدبلوماسيين والسياسيين الأميركيين. (8) ومعروف أن إدارة ترامب استخدمت مجموعةً من أدوات الإغراء والتهديد (الجزرة والعصا) مع الدول العربية المعنية لدفعها للتطبيع مع إسرائيل، أملاً بأن تخدم موجة التطبيعات هذه مصلحة ترامب في العملية الانتخابية التي جرت في أواخر العام 2020، وهو ما تبيّن انه لم يكن كافياً لإنجاحه.

بلينكن: نحن بعيدون عن حلٍ نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين

وأكد انتوني بلينكن موقف الإدارة هذا من ’ اتفاقات أبراهام’ مرةً أخرى في المقابلة الهامة التي أجراها معه وولف بليتزر على شبكة “سي إن إن” CNN التلفزيونية يوم 8 شباط/فبراير 2021، حين قال رداً على سؤالٍ بشأنها: “رحّبنا بـ ’ اتفاقات أبراهام’. هذه خطوةٌ هامة الى الأمام. كلما رأينا إسرائيل وجيرانها يطبّعون العلاقات، يحسّنون العلاقات، يكون ذلك أمرٌ جيدٌ لإسرائيل وجيدٌ للبلدان الأخرى المعنية، وهذا جيدٌ للسلام والأمن الشاملين… ولكن… هذا لا يعني أن تحديات العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين تختفي. هي لم تختفِ. ما زالت هناك. لن تزولَ بمعجزة. ولذلك نحن نحتاج الى الانخراط في هذا الشأن. ولكن في المقام الأول، على الأطراف المعنية أن تنخرط بشأن ذلك. أنظر… الحقيقة القاسية هي إننا، كما أعتقد، بعيدون عن رؤية السلام يحلّ ورؤية حلٍ نهائي لكل المشاكل بين إسرائيل والفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية. في المقام الأول الآن، عدم القيام بأي عملٍ مؤذٍ. نحن نسعى للتأكّد بأن لا طرف يقوم بأعمالٍ أحادية الجانب تجعل آفاق التحرّك نحو السلام ونحو حلّ أكثر صعوبةً مما هي عليه حالياً. وبعد ذلك، كما نأمل، سنرى كلا الطرفين يتّخذان خطواتٍ لإيجاد بيئةٍ أفضل يمكن أن تجري في إطارها محادثاتٌ فعلية”.(9)

وأكّد بلينكن من جديد، في هذه المقابلة، دعم الإدارة لـ ’ حل الدولتين’، وإن كان واضحاً في كلماته التي أوردناها أعلاه أن هذا الدعم لا يتجاوز حدود الموقف اللفظي. فالوزير الأميركي لا يتوقّع حدوث تقدمٍ في المدى القريب باتجاه تحقيق هذا الهدف، وهو تقدمٌ لا يمكن أن يحدث بدون ممارسة ضغوطٍ على إٍسرائيل لفرض احترامها للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة، وهي ضغوطٌ لن تمارسها الإدارة الجديدة، كما هو واضح. ولمزيدٍ من التأكيد على هذا التمنّع لدى الإدارة الجديدة من ممارسة أية خطواتٍ عملية للدفع باتجاه تحقّق ’حل الدولتين’، أجاب بلينكن، بدون تردد، على سؤالٍ لبليتزر حول ما إذا ما كان يعتبر القدس عاصمة إسرائيل: “نعم، أنا اعتبرها كذلك. والأهم نحن نعتبرها كذلك”، ويقصد، بالطبع، الرئيس بايدن والإدارة بشكلٍ عام. وحين سُئل إذا ما كان سيدعم أن تكون لفلسطين عاصمةٌ في القدس الشرقية، تهرّب من الرد بشكلٍ واضح، وقال: “ما علينا أن نراه يحدث هو أن يلتقي الطرفان معاً بشكلٍ مباشر ويتفاوضا على ما يسمّى قضايا الوضع النهائي. هذا هو الهدف. وكما قلت، نحن، لسوء الحظ، بعيدون عن هذا في الوقت الراهن”. (9) وهذه مواقف لا يمكن إلا أن تدخل الارتياح لدى حكّام إسرائيل.

وهكذا يبدو واضحاً أنه، بالرغم من تراجع إدارة بايدن عن بعض الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب، وليس كلها، فإن مواقف الدعم لإسرائيل تبقى هي الملموسة والمؤكّد عليها، في حين أن المواقف التي يُفترض أن تلبّي مطالب وحقوق الجانب الآخر في الصراع، الجانب الفلسطيني، تبقى نظريةً ومطروحةً للتفاوض، المحكوم، بطبيعة الحال، بموازين القوى، المعروف أنها تميل راهناً لصالح إسرائيل. وعلى سبيل المثال، حين أعلن بلينكن، يوم 8 شباط/فبراير، عودة الولايات المتحدة بصفة “مراقب” الى مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، ومقرّه في جنيف، بعد أكثر من عامين على انسحاب إدارة ترامب (في حزيران/يونيو 2018)، قال: “نحن نقرّ بأن مجلس حقوق الإنسان هيئةٌ فيها شوائب تحتاج الى إصلاحٍ لجدول أعمالها، ولعضويتها وتركيزها، بما في ذلك التركيز غير المتوازن على إسرائيل”.(10) أي إن الإدارة الجديدة لا ترتاح حتى لإصدار الهيئات الدولية لقراراتٍ تتّخذها الهيئات الدولية للتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني وللشرعية الدولية، حتى وإن بقيت هذه القرارات مجرد حبرٍ على ورق، لا تعيرها إسرائيل أي اهتمام ولا تغيّر شيئاً في واقع الحال، على الأقل في ظل موازين القوى الراهنة وفي ظل الدعم الأميركي المتواصل لـ”الطفل المدلل”.

وعندما أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية، يوم 5 شباط/فبراير 2021، قراراً يقضي بوجود ولاية قضائية للمحكمة على الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام 1967، الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، سارع الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية نيد برايس Ned Price، في اليوم ذاته، الى التعقيب بالقول: “اليوم، أصدرت محكمة الجنايات الدولية قراراً يدّعي الولاية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، في حين أقرّت بشكلٍ صريح بوجود قضايا قانونية ووقائع تحيط بقدرتها على فعل ذلك”. وأضاف: “كما أوضحنا عندما سعى الفلسطينيون للانضمام الى نظام روما عام 2015، فنحن لا نعتقد بأن الفلسطينيين يتمتّعون بصفة دولة ذات سيادة، وبالتالي هم غير مؤهّلين للحصول على العضوية كدولة، أو المشاركة كدولة في المنظمات والكيانات والمؤتمرات الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية… ولدينا تحفظاتٌ جدية بشأن محاولات محكمة الجنايات الدولية لممارسة ولايتها على موظفين إسرائيليين. والولايات المتحدة اتخذت دائماً موقفاً يعتبر بأن ولاية المحكمة ينبغي أن تقتصر على البلدان التي توافق عليها، أو تلك التي يُشار اليها من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.(11)

وهكذا، يبدو واضحاً انه، في حين كانت القيادة الإسرائيلية الحاكمة، كما وغالبية ساحقة من الرأي العام في إسرائيل، تفضّل بقاء دونالد ترامب في السلطة، وتعتبره أكثر تأييداً من بايدن لإسرائيل ومشاريعها التوسعية، إلا إن الإدارة الديمقراطية الجديدة لن تُحدِث تغييراً جوهرياً على المواقف الأميركية التقليدية المؤيدة لإسرائيل. وللرئيس بايدن سجلٌّ طويل من مواقف الدعم الحماسي لإسرائيل منذ بدء نشاطه السياسي في الهيئات التشريعية الأميركية في السبعينيات الماضية. وذكرت مصادر عدة انه تدخّل شخصياً، في صيف العام الماضي، لمنع إيراد كلمة “احتلال”، في سياق الحديث عن سياسات إسرائيل، في البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي. ونائبة الرئيس كامالا هاريس Kamala Harris لم تقلّ حماسةً عنه في دعم إسرائيل والمواظبة على حضور مؤتمرات “إيباك” AIPAC، اللوبي الأقوى الداعم لإسرائيل. هذا في وقت تُظهِر فيه استطلاعات الرأي تغيراً ملحوظاً في مواقف قواعد الحزب الديمقراطي (والرأي العام الأميركي بشكلٍ عام) تجاه سياسات إسرائيل وحكوماتها اليمينية المتعاقبة، وخاصةً معاملتها للشعب الفلسطيني. ولا شكّ بأن الرموز اليسارية البارزة في الخارطة السياسية الأميركية، وفي المقدمة عضو مجلس الشيوخ والمرشّح السابق للرئاسة بيرني ساندرز Bernie Sanders، لعبت دوراً كبيراً على هذا الصعيد، خاصة خلال ترشّح ساندرز للانتخابات التمهيدية للرئاسة في العامين 2016 و2020.

ومع أن ثلاثةً فقط من أعضاء مجلس الشيوخ صوّتوا، يوم 4 شباط/فبراير 2021، ضد قرارٍ قضى بتثبيت إبقاء سفارة الولايات المتحدة في القدس – وهم ساندرز، والمرشحة الأخرى للانتخابات التمهيدية للرئاسة اليزابيث وارين Warren، المحسوبة أيضاً على التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، وعضو ثالث في المجلس هو توم كاربر Carper صوّت لاعتباراتٍ عملية ولا يُعتبر من الجناح اليساري في الحزب – في حين صوّت الأعضاء الـ97 الآخرون لصالح التثبيت، إلا أن استطلاعات الرأي تعطي نسباً عالية من الراغبين في تغيير سياسة الحزب والدولة تجاه إسرائيل في قواعد الحزب الديمقراطي، وخاصةً بين الأجيال الشابة، التي كانت الأكثر حماسةً في تأييد ترشّح بيرني ساندرز للرئاسة. ومن الممكن أن يكون لهذه التحولات في الرأي العام تأثيرٌ ما على إدارة بايدن، ولكن من الواضح أن هذا التأثير، على الأقلّ في الأسابيع الأولى للإدارة الجديدة، ليس بالقدر الذي يجعل الإدارة تغيّر سياساتها بشكلٍ يستجيب لهذه التغيرات في الرأي العام ولدى الأجيال الجديدة من قواعد الحزب الديمقراطي.

في مقالةٍ أخرى لفيليب وايس نشرها بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير 2021، عشية تولي بايدن لمسؤولياته الرسمية، كتب: “إن بايدن، الى جانب الصهيونيين الليبراليين (الذين ساهموا في إنجاحه في الانتخابات)، سيجدون أنفسهم تحت ضغطٍ هائل من اليسار الديمقراطي، التقدميين الساندرزيين الذين يكافحون من أجل الحقوق الفلسطينية في أروقة الكونغرس، من أجل أن يقوم بشيءٍ ما فعلاً من أجل حرية الفلسطينيين”.(12) لكن القائد العام السابق لحلف شمال الأطلسي الأميرال المتقاعد جيمس ستافريديس Stavridis رأى انه فيما “ستكون الإدارة أيضاً أكثر مجاملةً – على الأقلً في العلن – للسلطة الفلسطينية، وأكثر معارضةً لمزيدٍ من شرعنة مستوطناتٍ يهودية في الضفة الغربية، وسيكون هناك مزيدٌ من الاحتكاك بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا انه في المحصلة ستكون العلاقة (مع إسرائيل) قوية”.(13)

تأخّر اتصال بايدن بنتنياهو يثير تساؤلاتٍ في إسرائيل… وواشنطن تطمئِن

وكان تأخّر إجراء بايدن أي اتصال مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قرابة الشهر منذ توليه مسؤولياته في البيت الأبيض، حتى يوم 17 شباط/فبراير، قد أثار تساؤلاتٍ حول موقف الإدارة الجديدة، وأشاع بعض القلق في إسرائيل. ففي حين أجرى بايدن، منذ الأيام الأولى لولايته، اتصالاتٍ مع عددٍ كبيرٍ من الزعماء والمسؤولين في أنحاء العالم، من الحلفاء المقربين في أوروبا وقاراتٍ أخرى، الى “الخصوم” أو “المنافسين”، بمن فيهم رئيس روسيا فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ… وفي حين درج الرؤساء الأميركيون السابقون قبله على المسارعة بالاتصال برئيس حكومة إسرائيل في الأيام الأولى لتوليهم مسؤولياتهم – بمن في ذلك باراك أوباما – على خلفية “العلاقة الخاصة” و”التحالف الإستراتيجي” بين الدولتين، أثار تباطؤ الرئيس الأميركي الجديد تساؤلات حول مغزى هذا المسلك غير المعتاد.

الصحافي الإسرائيلي بن كاسبيت Caspit نشر مقالاً يوم 5 شباط/فبراير 2021 تحت عنوان “ما زال نتنياهو بانتظار الاتصال الهاتفي لبايدن”، كتب فيه أن هناك تساؤلاتٍ في رئاسة الحكومة الإٍسرائيلية بشأن عدم اتصاله بنتنياهو في حين أنه اتصل بالملك الأردني عبد الله الثاني في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أي بعد انتخابه بأيام. وأضاف كاسبيت: “خلف الستائر، هناك قلقٌ يتصاعد في إسرائيل”. وسجّلت الأوساط الحاكمة في إسرائيل “بقلقٍ، إغفال بايدن ذكر إسرائيل والتهديد الإيراني في خطاب السياسة الخارجية الأول” الذي ألقاه الرئيس الأميركي يوم 4 شباط/فبراير 2021 من مقرّ وزارة الخارجية. كما نقل كاسبيت وجود عدم ارتياح في إسرائيل من تصريحٍ للمبعوث الأميركي الخاص للملف الإيراني صدر عن روبيرت مالي Malley قبل تعيينه في الإدارة انتقد فيه اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادِه (غالباً من قبل عملاء إسرائيليين)، وعدم ارتياح كذلك لمعظم تعيينات إدارة بايدن في مجال السياسة الخارجية والانخراط السابق لمعظم المعينين الجدد في عملية إنجاز الاتفاق النووي المبرم مع إيران في العام 2015 أبان إدارة أوباما. ونقل كاسبيت عن مصدرٍ أمني إسرائيلي لم يرغب بذكر اسمه: “بشكلٍ عام، الأميركيون يريدون الخروج من الشرق الأوسط بأسرع ما يمكن… هم لا يرون اقتراب إيران من حافة إنتاج القنبلة النووية كتهديدٍ أو خطر. لديهم إمكانيات قوةٍ عالمية وجدولٌ زمني مختلف عنا… بالنسبة لنا، إيران على حافة الإنتاج “خطرة جدا”، وإيران ذات قدرة نووية تشكّل تهديداً وجودياً”.(14)

صحيح أن الرئيس بايدن لم يتصل بنتنياهو إلا بعد مضي أربعة أسابيع على توليه مسؤولياته. ولكن كبار المسؤولين الأميركيين الآخرين لم يتأخّروا بالاتصال بنظرائهم الإسرائيليين. فمجلس الأمن القومي الأميركي أصدر بياناً يوم 24 كانون الثاني/يناير 2021 ذكر فيه بأن مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي جيك سوليفان اتصل بنظيره الإسرائيلي مئير بن شابات، وأكّد له بأن واشنطن “ستتشاور عن كثب مع إسرائيل في كل القضايا المتعلّقة بالأمن الإقليمي”. وتناول المسؤولان، حسب البيان، “الفرص لتعزيز الشراكة خلال الأشهر القادمة، بما في ذلك من خلال البناء على نجاح ترتيبات التطبيع التي قامت بها إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب”.(15)

ويوم 27 كانون الثاني/يناير، جرى أول اتصالٍ هاتفي بين وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن، في اليوم الأول لممارسته مسؤولياته بعد تثبيته في مجلس الشيوخ، بنظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي. وتناول الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية نيد برايس Ned Price هذا الاتصال قائلاً: “تحدّث وزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن اليوم مع وزير خارجية إسرائيل غابي أشكنازي. وأكّد وزير الخارجية على الالتزام الحازم لحكومة الولايات المتحدة بأمن إسرائيل. وناقش الوزيران تحديات الأمن الإقليمي وأهمية التعاون المستمر في التعامل مع هذه القضايا. ورحّب وزير الخارجية الأميركي بالتقدم الحديث المسجّل مع ’ اتفاقات أبراهام’، وأكّد اهتمام الولايات المتحدة بمزيدٍ من البناء على هذا التقدم لدفع السلام الى الأمام. وأكّد وزير الخارجية أشكنازي والوزير بلينكن على الشراكة الثابتة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبأن البلدين سيعملان بشكلٍ وثيق معاً على التحدّيات المتوقّعة”.(16)

ومهما كانت الأسباب التي جعلت الرئيس بايدن يؤخّر اتصاله الشخصي المباشر مع نتنياهو، إلا انه من الواضح أن ذلك لا يعني تحولاً جوهرياً في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، تجاوباً، مثلاً، مع دعوات التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، كما يتّضح من جملة الإعلانات والتصريحات التي أوردناها أعلاه. وفي كل الأحوال، من الواضح أن الشرق الأوسط، بشكلٍ عام، ليس ضمن أولويات الإدارة الجديدة، مقارنةً بقضايا داخلية مثل مواجهة وباء كورونا وانعكاسات الوباء على الوضع الاقتصادي، وقضايا خارجية مثل إعادة العلاقات الحميمة مع الحلفاء التقليديين في العالم، وخاصة دول أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، التي كانت العلاقات معها قد تعرّضت لشيءٍ من الفتور في عهد إدارة ترامب، الى جانب معالجة العلاقات الدولية الأوسع، خاصةً مع الدول الكبرى “المنافسة”، الصين وروسيا في المقام الأول.

وحتى في الشرق الأوسط، هناك أولوياتٌ تسبق، من منظار الإدارة الأميركية الجديدة، موضوع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، مثل الموضوع الإيراني وإعادة إحياء الاتفاق السداسي مع إيران بشأن النشاط النووي بصيغةٍ أو بأخرى، وإنهاء الحرب المدمّرة في اليمن والتورط الأميركي فيها، وكذلك معالجة الأوضاع المتوترة في بلدانٍ أخرى في المنطقة ومحيطها تورطت فيها الولايات المتحدة بدرجاتٍ متفاوتة، بدءً بأفغانستان والعراق ووصولاً الى ليبيا وحتى سوريا. وعلى واشنطن أيضاً أن تحدّد موقفها بوضوحٍ أكبر من قرار إدارة ترامب نقل إسرائيل من مظلة المنظومة الأميركية العسكرية في أوروبا الى القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط “سنتكوم” Centcom، وإن كانت المؤشّرات الأولى تذهب باتجاه الحفاظ على هذه الوضعية الجديدة لكونها تعزّز نزعات التطبيع العربية مع إسرائيل، التي أيّدتها إدارة بايدن.

في إعلانٍ مشترك صدر عن “مجموعة الأزمات الدولية” و”مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط” United States Middle East Project في 15 كانون الأول/ديسمبر 2021، أي بعد انتخاب جوزف بايدن وقبل توليه مسؤولياته، ورد أنه “من غير المحتمل أن يكون الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أولويةً لدى الإدارة الجديدة للولايات المتحدة، ولكن مسار الصراع وترتيباته بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة ينبغي رغم ذلك أن تهمّ صُنّاع السياسة الأميركيين. على الإدارة الجديدة أن تتعلّم دروس الماضي: عليها أن تكون في آنٍ واحد طموحةً في مجال تغيير معادلات النقاش ومتواضعةً في ما يتعلّق بإمكانية إنهاء الصراع في أي وقتٍ قريب”.(17) ومن المبكّر تلمّس مدى التجاوب المحتمل للإدارة الجديدة مع هذه الأفكار، وإن كان من الواضح أنها تشاطر محرّري هذا الإعلان القناعة بعدم الرهان على إنهاءٍ قريب للصراع.

ولفت فيليب وايس، من جانبه، وعلى ضوء المواقف الرسمية الأولية التي أعلنتها إدارة بايدن، بأن المسؤولين الجدد في واشنطن لم يتحدّثوا عن رعاية محادثاتٍ بين الجانبين، أو دعوة الطرفين للعودة الى طاولة المفاوضات، خلافاً لإداراتٍ سابقة منذ إدارة كلينتون. واستخلص  بأن إدارة بايدن “لن تبذل أي رأسمالٍ سياسي لمواجهة اللوبي الإسرائيلي”، كما “لن تنفق من رأسمالها السياسي من أجل فلسطين”، على حدّ تعبيره.(18)

ويمكن تلمُّس بعض ملامح هذه السياسة الأميركية المحتملة تجاه الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي كذلك في حديثٍ للناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي قال في أحد مؤتمراته الصحافية اليومية، وتحديداً يوم 2 شباط/فبراير 2021، بعد أن أعاد تأكيد موقف الإدارة الداعم لعمليات التطبيع بين إسرائيل وبلدان عربية: “نحن نأمل أن تتلاقى إسرائيل وبلدانٌ أخرى في المنطقة معاً من أجل جهدٍ مشترك لبناء جسورٍ وشقّ مساراتٍ جديدة للحوار وتبادل الأفكار، بحيث تساهم هذه الجهود في تقدمٍ ملموسٍ نحو هدف دفع سلامٍ متفاوضٍ عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.(19) أي انه يتبنّى عملياً قلب المعادلة التي تضمّنتها ’مبادرة السلام العربية’ للعام 2002، بحيث يقوم العرب المطبّعون مع الإسرائيليين بجهودٍ مشتركة لإيجاد شروطٍ جديدة للتقدم في “عملية السلام” بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأضاف الناطق باسم الخارجية الأميركية في مؤتمره الصحافي ذاته، لتوضيح حدود خطوات الإدارة الأميركية الجديدة: “تعليق المساعدة للشعب الفلسطيني لم ينتج تقدماً سياسياً ولم يؤمّن تنازلاتٍ من القيادة الفلسطينية… بالطبع، انه تسبّب فقط بالأذى لفلسطينيين أبرياء”.(19)

ويرى مقالٌ نشره موقع “أكسيوس” يوم 17 شباط/فبراير 2021 تناول بشكلٍ خاص دور نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية هادي عمرو (المولود في لبنان) بأن إدارة بايدن تعمّدت عدم تعيين مبعوثٍ خاص لـ”عملية السلام في الشرق الأوسط”، خلافاً لما قامت به إدارة أوباما، وكلّفت هادي عمرو بمتابعة شؤون الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، من خلال اعتماد سياسة “بناء الثقة من الأسفل الى الأعلى” بخطواتٍ براغماتية عملية، خلافاً لما قامت به الإدارات التي سبقت إدارة ترامب. ويرى المقال أن “عمرو يطوّر خططاً لإعادة التواصل مع السلطة الفلسطينية، والتراجع عن بعض سياسات ترامب وإعادة المساعدة المالية للفلسطينيين، التي من المحتمل أن تبدأ مع 75 مليون دولار سبق وخصّصها الكونغرس لمشاريع الدعم والتنمية”… وسيكون لعمرو، حسب المقال، “تحديان سياسيان في الأمد القصير: إعادة تنظيم سياسة الولايات المتحدة بشأن مستوطنات الضفة الغربية بدون إشعال مواجهة مع الحكومة الإسرائيلية، وبلورة سياسة حول الانتخابات البرلمانية الفلسطينية المخطط لها في 22 أيار/مايو”. مع العلم بأن عمرو سبق وقام بالاتصال مع المسؤولين في الجانبين، بما في ذلك السفير الإسرائيلي في واشنطن ونائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، من جهة، ورئيس الحكومة الفلسطينية ومدير المخابرات في السلطة الفلسطينية، من جهة أخرى، حسب كاتب المقال. وافترض الكاتب أن عمرو سيقوم بتمثيل الولايات المتحدة في اجتماعات الرباعية الدولية، كما يقوم عملياً بدور رئيس بعثة الولايات المتحدة للفلسطينيين في ظل إلحاق إدارة ترامب للقنصلية الأميركية في القدس الشرقية بالسفارة في إسرائيل. ويرى الكاتب أن هذا الدور المنخفض لهادي عمرو يتناسب مع “الأهداف الأكثر تواضعاً لإدارة بايدن”. (20)

والصورة تبدو هكذا واضحة: انفراجات محدودة في بعض الجوانب العملية المتعلقة بالشعب الفلسطيني، الذي تعاملت معه إدارة ترامب بعدائيةٍ وسلبيةٍ بالغتين، ولكن دون الذهاب بعيداً في إعادة السعي من أجل معالجاتٍ أكثر استدامةً. ويبدو واضحاً بإن إدارة بايدن ليست مستعجلةً للدفع نحو إحياء المفاوضات الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لقناعتها بصعوبة التوصّل الى حل بين الطرفين في أي أمدٍ مرئي، نظراً لحرصها على عدم ممارسة أي ضغطٍ فعّالٍ على الجانب الإسرائيلي.

ويمكن القول كذلك أن الضعف الراهن للوضع الفلسطيني والعربي، وغياب أي عناصر ضغط عربية جادة سواء على إسرائيل، أو على الإدارة الأميركية لدفعها بدورها للضغط على إسرائيل، لا يوحيان بإمكانية حدوث تغييرٍاتٍ جوهرية على مواقف هذه الإدارة الأميركية بما يشمل قيامها بدورٍ فاعلٍ للحدّ من غلواء السياسات الإسرائيلية التوسعية والتعسفية تجاه الشعب الفلسطيني وعلى حساب حقوقه الأساسية.

ومن البديهي الإقرار بأن الآليات الداخلية الإسرائيلية لن تفرز أية تغيّراتٍ إيجابية تسمح بالتوصّل الى حلٍ للصراع مع الشعب الفلسطيني، كما هو واضح من العملية الانتخابية الأخيرة للكنيست وبرامج ومواقف الغالبية الساحقة من الأحزاب الإسرائيلية، خاصةً في غياب أي ضغطٍ خارجي أو أي تغييرٍ في موازين القوى. وطالما هذا الضغط الخارجي غائب وهذه الموازين مختلّة كما هي راهناً، فستبقى الأمور تراوح في مكانها على صعيد إمكانية التوصّل الى حلولٍ مقبولةٍ للشعب الفلسطيني، تبدأ بالضرورة بإنهاء احتلالات العام 1967. صحيح أن التخلّص من إدارة ترامب تطوّرٌ إيجابي، وصحيح أن هناك تطوراً ملموساً في مواقف قطاعاتٍ واسعة من الشعب الأميركي تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لكن الطريق نحو تغييرٍ جاد للواقع في منطقتنا وخلاص الشعب الفلسطيني من محنته المستمرة منذ أكثر من سبعين عاماً ما زال طويلاً ويتطلّب عملاً دؤوباً وصبوراً وطويل النفس من قبل الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة المعنية في المقام الأول.

# ساهم في توفير مصادر المعلومات لهذا المقال، مشكورَين، الصديقان إبراهيم ودانا عشراوي، المقيمان في الولايات المتحدة.

الهوامش

1 ـ  Nineteen Conflict Prevention Tips for the Biden Administration- Crisis Group United States Briefing No.2- Washington/Brussels, 28 January 2021.

2 ـ https://usun.usmission.gov/remarks-at-a-un-security-council-open-debate-on-the-situation-in-the-middle-east

3 ـ Senate Foreign Relations Committee consideration of nomination of Anthony Blinken as Secretary of State, 1/19. https://fmep.org/resource/fmep-legislative-round-up-january-22-2021/

4 ـ Senate Finance Committee consideration of nomination of Janet Yellen as Treasury Secretary, 1/19. https://fmep.org/resource/fmep-legislative-round-up-january-22-2021/

5 ـ https://fmep.org/resource/fmep-legislative-round-up-january-29-2021/

6 ـ https://mondoweiss.net/2021/01/bidens-secretary-of-state-praises-trumps-achievements-on-israel-2/

7 ـ https://www.state.gov/secretary-antony-j-blinken-at-a-press-availability/

8 ـ وجه 25 عضوا في مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أي ربع أعضاء المجلس، رسالةً الى الرئيس بايدن يوم 17/2/2021 دعوا فيها الإدارة للتراجع عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

Senators urge Biden to undo US recognition of Morocco`s claim to Western Sahara – Middle East Eye – 18 February 2021.

9 ـ https://www.state.gov/secretary-antony-j-blinken-with-wolf-blitzer-of-cnns-the-situation-room/

10 ـ US rejoins UN rights council, but voices concern over `focus on Israel`- Middle East Eye- 8 February 2021

11 ـ https://www.state.gov/opposing-international-criminal-court-attempts-to-affirm-territorial-jurisdiction-over-the-palestinian-situation/

12 ـ https://mondoweiss.net/2021/01/nathan-thrall-calls-out-j-st-and-other-liberal-zionists-for-ennabling-apartheid/

13 ـ https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2021-02-04/biden-s-middle-east-balancing-act-israel-iran-saudi-arabia?sref=QYxyklwO

14 ـ Netanyahu still waiting for Biden`s phone call – Ben Caspit – Al-Monitor – 5 February 2021.

15 ـ Biden administration vows to consult with Israel on `all` regional issues- Middle East Eye – 24 January 2021.

16 ـ https://www.state.gov/secretary-blinkens-first-call-with-israeli-foreign-minister-ashkenazi/

17 ـ Three Pillars for a New U.S. Approach to Peace in Israel-Palestine – Joint Statement by the International Crisis Group and the U.S. Middle East Project, 15 December 2020.

18 ـ https://mondoweiss.net/2021/01/admins-first-signals-show-biden-will-spend-no-political-capital-on-palestine/

10 ـ https://www.state.gov/briefings/department-press-briefing-february-2-2021/

20 ـ https://www.axios.com/hady-amr-biden-israel-palestine-policy-3b5967a3-760d-44c1-9675-28248442e37c.html

 

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

Author: داوود تلحمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *