أين سيادة مصر على معبر رفح … في مواجهة حرب الإبادة ضد غزة؟
من المُحير والمرفوض وطنيا ومصريا وانسانيا ان لا تمارس مصر سيادتها الكاملة على معبر رفح مع الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل ضد اكثر من مليوني فلسطيني مسجونين هناك. كيف يمكن ان تقبل الحكومة المصرية ان تتحرك تحت سقف القرار الإسرائيلي في مسألة سيادية حتى لو كان الظرف محكوما بالحرب والعمليات العسكرية؟ ما زالت المساعدات الشحيحة جدا وعدد الشاحنات القليل جدا محكومين بالقرار الإسرائيلي الذي يسمح او لا يسمح لمصر بإدخالها من عدمه، برغم كل المناشدات الدولية. ربما وجد البعض اعذاراً لذلك الموقف في الأيام الأولى من الحرب، خاصة في ضوء السعار الأمريكي والاوروبي العنصري والمُذهل والذي اصطف ببوارجه الحربية مع إسرائيل. لكن بعد مرور كل هذا الوقت من الإجرام المتواصل الذي حرك ملايين المتظاهرين في كل عاصمة ومدينة فيها مجال للتحرك والتظاهر، انقلب المشهد، وبات يوفر مساحات جديدة بإمكان مصر، بل يجب عليها، ان تحتلها وتدفع فيها سقف التحرك الى اعلى. العالم كله الآن يراقب اول حرب إبادة حية live genocide تحدث على مدار الأربع وعشرين ساعة امامنا في بث حي ومباشر. كل المجازر وحروب الإبادة التي حدثت في التاريخ عرف العالم تفاصيلها ومروياتها بعد وقوعها، وأحيانا بفترات زمنية طويلة. حرب الإبادة على غزة تحدث امام العالم المنافق كله، وبرعاية الغرب العنصري وتأييده، ومن دون المطالبة حتى الآن بوقف إطلاق النار، في حالة تكالب اجرامي تفوق الخيال.
في ضوء هذه الحالة الاستثنائية بإمكان مصر اخذ زمام المبادرة والاستقواء بالمناخ العام، والاستناد الى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لوقف الحرب، والتي وصفها قادة دول كثيرون بأنها حرب ابادة، والقيام بما يلي:
1. فتح المجال للمئات والالوف من متطوعي الإغاثة الطبية من كل دول العالم، أطباء وممرضين ومساعدين، للتوجه الى معبر رفح ومنه دخولا الى قطاع غزة تحت راية الأمم المتحدة والصليب والهلال الأحمر، وتحت عدسات الاعلام العالمي. تفرض مصر ارادتها وسيادتها تحت شرعية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. لنتصور وجود خمسة الاف او عشرة الاف متطوع طبي يتوافدون على مصر ثم يتجمهرون لعبور رفح من الجانب المصري؟ سيشكل ذلك ضغطا كبير ومن زاوية الإغاثة الطبية وهي الزاوية التي لا يستطيع احد ان يماحك فيها. وحتى لو لم يدخل هؤلاء المتطوعون، فإن مجرد التجمهر والضغط سوف يساهم في جهود وقف المجزرة.
2. فتح المعبر للإعلاميين والصحفيين وشبكات التلفزة التي ترغب في الدخول الى قطاع غزة وتوثيق الجرائم الابادية التي تحدث الان. الكل يسأل لماذا لا يٍُسمح لمن يريد الدخول الى القطاع على مسؤوليته الخاصة ان يدخل؟
3. طرح آلية بديلة لإدخال الشاحنات عن تلك المُعتمدة حاليا، والتي تشتكي الحكومة المصرية بأنها بطئية وان إسرائيل تتعمد تعطيلها وإبطائها أكثر وأكثر، بمسوغ التفتيش وإعادة الشاحنات الى مصر. وقد ذكر مسؤولون مصريون ان كل شاحنة تقطع مسافة مائة كيلومتر ذهابا وإيابا بين معبر رفح والمعبر الذي تسيطر عليه إسرائيل، ولا يبعد اكثر من نصف كيلومتر، بأعذار ومسوغات مختلفة. تستطيع مصر ان ترفض هذه الالية وتقترح الية أخرى تشرف عليها الأمم المتحدة واية أطراف أخرى، يكون الهدف منها تسريع دخول الإغاثة.
وقفت مصر بقوة في وجه المُخطط الإسرائيلي الفاشي الذي استهدف تهجير الفلسطينيين الى خارج قطاع غزة، وهو موقف يخدم مصر وامنها الإقليمي ويخدم فلسطين والفلسطينيين. والخطوات المُقترحة أعلاه جزء من استراتيجية أوسع يجب على الحكومة المصرية ان تفكر فيها، عمادها تقوية الموقف المصري ورفع سقفه والدفع بالاتجاه المعاكس، وتفعيل الموقف الرسمي الرافض للحرب الإبادية. على مصر الموقع وعلى مصر الدور ان تتقدم الجميع الآن، وفي هذه اللحظة، في حمل مهمة إيقاف المجزرة وحرب الإبادة. وان تتصدر جهدا إقليميا متسارعاً تدمج فيه دول المنطقة هدفه وقف الحرب فورا، لانها من سيدفع الثمن الباهظ.
في كل عقد او عقدين من السنوات تعمل الامبريالية الامريكية على تفعيل حرب دامية في المنطقة، ثم يغادر جيشها بعد ان يكون قد انهك دولنا ومجتمعاتنا لسنوات طويلة. أمريكا ترى في إسرائيل ذاتها، وتدافع عن امن تل ابيب وبقائها بنفس السعار الذي تدافع فيه عن واشنطن. هذا الدفاع يقوم على قاعدة رسمها بن غوريون منذ الخمسينيات وحافظت عليها أمريكا تقول ان بقاء إسرائيل قوية مرهون ببقاء العرب ضعفاء ومفككين. الإضعاف والتفكيك، للعرب كمنظومة، وكدول منفردة، هو هدف كل حرب أمريكية-إسرائيلية. ومصر وكل دولة عربية فيها امل للمستقبل تقع في دائرة الهدف. الهجوم خير وسيلة للدفاع، والتحكم في معبر رفح هو تعبير عن السيادة المصرية ويجب ان يكون ذلك قويا وبالصوت العالي، وليس خجولاً ولا متلعثما.