أوضحت إسرائيل الآن أنها مستعدة لحرب شاملة .. على الإيرانيين أن يقرروا
تشكل عمليتا الاغتيال مساء أمس والليلة، أحداهما في بيروت والآخرى في طهران، تحدياً مباشراً لإيران ولاستراتيجية الوكلاء التي تعمل بها إيران. والواقع أن إسرائيل تجبر القيادة الإيرانية والمرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيتجهون الى حرب مباشرة واسعة النطاق مع إسرائيل – أو ما إذا كانوا سيقررون تهدئة الوضع تدريجياً.
يحق للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية وجهاز الاستخبارات، الموساد، والاستخبارات العسكرية، وسلاح الجو، إذا كانت إسرائيل بالفعل وراء القضاء على هنية، أن تسجل لنفسها إنجازاً عسكرياً واستخباراتياً ملحوظاً في كلتا الحالتين – لكن هذا ليس الاساس . الاساس هو أن دولة إسرائيل تقول لإيران ووكلائها إنهم إذا لم يتوقفوا، فإن إسرائيل لا تتردد في خوض حرب شاملة ليس فقط مع حزب الله وحماس والحوثيين – ولكن أيضًا مع رأس الثعبان الجالس في طهران.
وهذا يعني أنه يتعين علينا نحن في إسرائيل أيضاً بأن نستعد لحرب شاملة . في مثل هذا السيناريو، ستكون الجبهة الداخلية هي الجبهة الرئيسية، وستكون عرضة للهجمات الصاروخية بجميع أنواعها، إلى جانب الطائرات المسيرة المتفجرة، التي ستنطلق ليس فقط من لبنان واليمن، بل بشكل رئيسي من إيران أيضاً .كما اننا نتوقع محاولة إيرانية لإرسال ميليشيات شيعية مسلحة من إيران والعراق وسوريا إلى الحرب، وربما حتى يمنيين حوثيين سيتم نقلهم إلى سوريا أو الانضمام إلى حزب الله في لبنان في محاولات لتنفيذ هجمات على الحدود الشمالية.
قبل أن يقرروا التحرك في بيروت، وربما في طهران أيضًا، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس الموساد دادي برنيع، ورئيس الشاباك رونان بار، يعرفون جيدًا أن هذه كانت تقريبًا الخطوة شبه الأخيرة في طريق التدهور الى حرب اقليمية. لقد فهموا أن الأمر كان في واقع الأمر مقامرة، لأنه ليس من المؤكد على الإطلاق ـ وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها ـ أن إيران لا تريد حالياً حرباً إقليمية تورطها مع الولايات المتحدة.
ويفترض الإيرانيون، وهم على حق، أنه قبل اغتيال فؤاد شكر (السيد محسن) – القائد العسكري الأعلى في حزب الله – تشاورت إسرائيل مع الولايات المتحدة، ويفترضون ايضا أن واشنطن وافقت على هذا الاغتيال لشخص كان مسؤولاً إلى حد ما عن مذبحة المارينز في بيروت وكان على راس قائمة المطلوبين للولايات المتحدة. ولكن من الممكن أيضاً افتراض أن اغتيال إسماعيل هنية في طهران لم يتم التنسيق له مسبقا مع الولايات المتحدة . ويفترض الإيرانيون أيضا وربما يكونون على حق، أنهم إذا هاجموا إسرائيل كما فعلوا في 14 نيسان/أبريل من هذا العام – وربما بشكل اخطر من ذلك أنهم قد يواجهون تحالفًا أمريكيًا.
ولذلك، فإن الإيرانيين أيضاً يمرون في حالة من عدم اليقين ويواجهون معضلة ليست سهلة في الوقت الحالي . في المقابل، يبدو أن إسرائيل أوضحت من خلال عمليتي الاغتيال لقيادة “محور المقاومة” المتمركزة في طهران، أنها مستعدة لحرب شاملة لوجستية ومعنوية ، رغم أنها لا تريدها. و الآن يجب على الإيرانيين أن يقرروا.
الإيرانيون لا يريدون حاليا حرباً إقليمية، ولا حتى حرباً محدودة جغرافياً، بل مواجهة عسكرية مع إسرائيل. إنهم يفضلون أن تندلع مثل هذه الحرب عندما تمتلك إيران بالفعل أسلحة نووية تنفيذية، وحينها ستتمتع هي ووكلاؤها بالحصانة مثل كوريا الشمالية، التي تتحدى الولايات المتحدة وجارتها كوريا الجنوبية، وإيران تعرف بانه عندما تمتلك أسلحة نووية فان الولايات المتحدة لن تتعجل في تقديم المساعدة لإسرائيل . وصحيح أن إيران تعتبر في الوقت الحالي دولة حافة نووية ، لأنها تستطيع إنتاج مواد انشطارية لصنع قنبلة واحدة على الأقل في غضون أسبوع إلى عشرة أيام من اليورانيوم المخصب؛ لكن آلية التفجير ، أي جهاز التفجير النووي او مايشبه ذلك الذي يمكن تركيبه على صاروخ، لن يكون متاحا قبل عام أو عام ونصف على الأقل . ولذلك فإن التوقيت الآن لحرب شاملة – تهب فيها إيران لمساعدة حلفائها وتواجه إسرائيل بشكل مباشر – ليس في صالح طهران. وهي تفضل أن يواصل الحوثيون، وخاصة حزب الله، ضرب إسرائيل وإستنزافها.
الوضع كما كان حتى الأمس مثالي بالنسبة لإيران، لأنه أنهك إسرائيل وتركها تغرق في انقسامها السياسي، في وقت أصبح فيه عشرات الآلاف من سكانها لاجئين في بلدهم، وتم تدمير الكثير من مستوطناتها الحدودية . علاوة على ذلك، في هذا الوضع، تتبخر شرعية إسرائيل للقتال، او ما تبقى من هذه الشرعية . وهي في نظر الإيرانيين تنزلق رويداً رويداً إلى حالة الانهيار الداخلي ، مثلما كانوا يريدون رؤية ذلك دائماً . ولذلك، فإن التحدي الذي تواجهه إيران في هذا الوقت يضع خامنئي أمام معضلة صعبة: إما أن يرفع القفاز الذي ألقت به إسرائيل ويتوجه إلى حرب ضدها – وهي في ذروة قدراتها الاستخباراتية والعسكرية – أو يقرر السير خطوة إلى الوراء والاكتفاء برد مدروس ومحدود على الإهانة الناتجة عن إغتيال هنية .
نعم، من وجهة نظر النظام الإيراني، فإن اغتيال زعيم حماس في غمرة احتفالات لتنصيب الرئيس الإيراني الجديد يشكل اهانة للنظام ودليل على أنه مخترق وضعيف . وهذا تقريبا هو أكثر ما يخيف القيادة الإيرانية، وهو أن تشخص الجماهير الساخطة -وهناك بعضها في إيران- حالة الضعف وربما تتمرد. ومن ناحية أخرى، إذا قررت إيران مهاجمة إسرائيل ولم يحقق الهجوم أهدافه، فسيكون هذا دليلاً آخر على ضعف النظام الإيراني. ولذلك، يتعين على خامنئي والحرس الثوري وآيات الله المحافظين أن يفكروا بشكل جيد .
أما بشان بيروت، فان المشكلة هناك أصعب. حسن نصر الله أقل تفاجأ من القيادة الإيرانية من العملية الإسرائيلية . فهو يعرف أن منظمته مخترقة استخباراتيا ، واتخذ بنفسه إجراءات لمنع تصفية كبار المسؤولين وفشل . وذات العملية التي تم تنفيذها في قلب بيروت تضع استراتيجية المعادلات التي يطرحها حسن نصر الله في وضع جديد . ووفقاً لنظرية المعادلات التي يديرها حزب الله منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر، فإن الهجوم على بيروت يتطلب من حزب الله استراتيجيا أن يهاجم تل أبيب أو على الأقل مدينة كبيرة أخرى في إسرائيل بطريقة بالغة. لكن مثل هذا العمل يعني حرباً شاملة وقوية مع إسرائيل، وهو ما لا يريده نصر الله ولا غالبية مواطني الدولة اللبنانية، بما في ذلك الشيعة. علاوة على ذلك، لا يريد الإيرانيون أيضًا حربا في لبنان تستهلك الترسانة الضخمة من الصواريخ والطائرات المسيرة التي يمتلكها حزب الله، والتي من المقرر استخدامها – وفقًا لطهران – فقط في اليوم الذي يتم فيه مهاجمة المنشآت النووية في إيران.
وهكذا قررت إسرائيل أن تقوم برهان محسوب على الساحة اللبنانية وهي تعرف بأننا إذا دخلنا في حرب شاملة في الشمال فمن الأفضل أن يمنحنا حزب الله في رده الشرعية الدولية للقيام بذلك . إذا هاجم حزب الله بطريقة قوية رداً على الاغتيال، فان الأميركيون لن يقفوا جانباً وسيساعدوننا أيضاً. إن التنظيم الإرهابي اللبناني يعرف ذلك، لذا فإن نصر الله يجلس الآن أيضاً على قرني المعضلة .
لن يكون للاغتيالات في طهران وبيروت تأثير إيجابي على فرص التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المختطفين الذين تحتجزهم حماس في غزة، لكن يبدو أن رئيس الحكومة والنخبة الأمنية توصلوا إلى نتيجة – بعد عودة رئيس الموساد من روما – أن حماس لم تعد مستعدة للتحلي بالمرونة، وكذلك ايضا رئيس الحكومة نتنياهو. ولذلك فإن فرص التوصل إلى صفقة حالياً ضئيلة للغاية، ويبدو أنه تقرر تنفيذ عمليتي الاغتيال في طهران وبيروت انطلاقاً من اعتبار استراتيجي عام لدولة إسرائيل – رغم أنهما قد يتسببان في تأخير إطلاق سراح المختطفين.
ولا يتوقع أن يكون لاغتيال إسماعيل هنية في طهران في حد ذاته تأثير كبير على حماس بشكل عام والسنوار بشكل خاص. هنية كان خصما سياسيا للسنوار ولم يتفق الاثنان على القضايا المطروحة على جدول الاعمال منذ 7 أكتوبر/ تشرين الاول، لكن إقصائه يوجه ضربة معنوية قاسية لسكان غزة وللفلسطينيين بشكل عام. ويثبت لهم الاغتيال أيضاً أن طهران هي إلى حد كبير سند متداعي مقارنة بقدرات إسرائيل الاستخباراتية والتكنولوجية والجوية.
وهذا هو الحال أيضاً بشان اغتيال شكر في بيروت: اغتيال الرجل يشكل ضربة معنوية لقيادة حزب الله، وربما حتى لنصر الله نفسه، لكن الضرر الرئيسي الذي لحق بالمنظمة هو اثبات على أن إسرائيل تستطيع أن تضرب بدقة وبقوة داخل بيروت – في الوقت الذي يستخدم فيه حزب الله أقصى وسائل الحماية المتاحة له . وهذا يجب أن يجعل نصرالله يفكر مرتين قبل كل خطوة، فهو نفسه مختبئ في قبو. الاغتيال في بيروت يقول لنصر الله: سيدي، إذا قمت بشن حرب – أو بالأحرى إذا لم توقفها – فأنت التالي في الدور .
وأخيرا، علينا أن ننظر إلى الوضع الدولي. وقد سارعت روسيا إلى إدانة الاغتيالات، ومن المرجح أن تحذو الصين حذوها، ولكن الأمر الحاسم بالنسبة لإسرائيل هو الكيفية التي ستتصرف بها الولايات المتحدة الآن في هذا الصدد. العمليتان كانتا مقامرة محسوبة، والآن يتعين علينا أن نأمل وندعو الله أن تحدثا النتيجة التي تأملها إسرائيل، وفي هذه الأثناء علينا نحن المواطنين أن نستعد جيداً للضربات الصاروخية التي ستأتي، ونأمل أن يتم ردع أعدائنا وأن يقف أصدقاؤنا إلى جانبنا . وامل النجاح لنا جميعنا .
المصدر: يديعوت أحرونوت