أن تكون فلسطينيا !
هو أن تصحو صباحا في أوطان الآخرين ووطنك فيك .. وتشرب قهوتك وأنت تحاول عبثا تزويج ظرف الزمان مع ظرف المكان ، لعل هذا الـ هُنا ينجب لك هُناك ، وبين هنا وهناك أنت فلسطيني يمارس هذه ” الفذلكة ” الصباحية لاستدراج وطن الى غربتك ، يشرب معك هذا الصباح النسكافيه ، ويدخن سجائرك ، وينفث دخانها في الجليل ،وطن بكامل زرقته في صباحك الرمادي الملبد بالحنين ، وطن بالقمباز الفلسطيني يجلس في صالون بيتك الاسكندنافي يسخر من النسكافيه التي لا تقبل اضافة الهال.. القهوة مثل الغربة يصعب ترجمتها ، يضحك ضيفك الوطن من ركاكة في النسكافيه ، ويكمل استيطانه فيك ، فتبدو لك يافا شوكة في حلق تل أبيب ، تعد لك منقوشة زعتر في مطعم أبو العافية ،وتنتظرك على العشاء في مطعم العجوز والبحر .. وتتدرب على دبكة يا ظريف الطول في مسرح السرايا ..
ومثل أي مواطن ” دلوع ” تقول لضيفك الوطن : “إسّا إسّا ” بدي أروح على الناصرة .. ويهز الوطن كتفيه مجاكرا ليقول لك : ” بديش ” ، وبين ” مبلا” روحك و”بديش ” الوطن يحلو للفلسطيني دوما المشاكسة .. فهو يسخن المسخن ، ويقلب المقلوبة ، ويفتل المفتول ! ويخوض حربه مع أقوى جيش في المنطقة في صراع العين والمخرز بطريقة توم وجيري ..
أن تكون فلسطينيا يعني أن تكون حالما .. تسند رأسك على أحلام اليقظة ، وتتجول في بلادك من رأس الناقورة الى رفح ،الأحلام وحدها لا تظهر على شاشات الرادار الاسرائيلية ، ولا تخضع للتفتيش على حاجز قلنديا ! و لا تأبه بقراري مجلس الأمن 242 و 338 .. وتحلق كطيور حجل من النهر الى البحر ..
أن تكون فلسطينيا : هو أن تتقن دوما عقد قران بين ظرف الزمان وظرف المكان ، لتنجب وطنا لا تسمح به الظروف الدولية الآن !