امرأة من المخيم، تعرفت على ناجي العلي وهو يرسم المخيم تعويذة تحرسه ويتسلح بها.

كان القهر والجوع والفقر هويتي الوحيدة، ومن يومها كنت كل نساء المخيمات، وكان الوحيد الذي  يبرد أحزاني ويمسح دموعي.

كان دائما حزينا ومقهورا مثلي ولكنه كان قويا صلبا ما عرف التردد قط ولا عرف طريقا غير طريق واحد. طريق مربوط بحبل سري بين ريشته وشعبه وفلسطين.

كل المنافي التي رمي بها ناجي كانت لا تمتلك إلا قبلة واحدة. فلسطين. وكان كل متجه لهذه القبلة، فلسطيني بالنسبة لناجي، الذي كان يدرك ان هذه القبلة  وجهة الفقراء والشعب المضطهد. فناجي الوحيد الذي حدد الشعب مشروعا وقضية، لهذا كان صوته  وقلمه وحياته.

يرسم الشعب واحلامه والقيود التي تقيد وتكبل هذه الأحلام، ويخط  طريقا. طريق مزعج لأصحاب الكروش ومتملقي المكاتب، مهينا المؤسسة الرسمية وأقلامها المزورة. كان شوكة في حلوقهم وكابوسا لأحلامهم.

همشري المخيم وحجر فلسطين، لا يعرف الموائد المستديرة وأنصاف الحلول. فلسطين محتلة ولاجئون، يجب أن تحرر فلسطين ويعود  اللاجئون، وكل السياسة والثقافة  يجب أن تخدم هذه القضية.

لهذا كان يقذف تسوياتهم وموائدهم بالحجارة والحصى ويفضح مناوراتهم وتلاعبهم.

تكلم بصوتي وبصوت أبو علي جارنا المعتر وصوت أطفال المخيم  وبصوت كل الشعب العربي المغيب وكان يصرخ ويعري غير مهتم بكير أو رأس مسؤول أو سلطة. فالقضية والشعب بالنسبة إليه أكبر وغير مسموح التلاعب بها.

في الأيام الأخيرة خفنا عليه كثيرا. بكى ناجي يومها انتحب وقال  “أتخافون علي…  أنا لاشئ… أنا أخاف عليكم

حاصروه نفيا… إقامة… لقمة العيش… وكان المنفى.

وناجي بأدواته البسيطة كان يعرف كيف يصل ويدلق القهوة الصباحية على كل المتلاعبين ومثقفيهم ويعكر صفو احلامهم الرخيصة .

فكان الرصاص….. وكانت مواجهة تفتقد  للشرف وتحدد هوية عصر أقل ما يقال فيه، أنه عصر منحل ويفتقر للرجال.

لقد قتلو ناجي. فهل ساهمنا في قتله من قريب أو بعيد… بضعفنا بصمتنا

قتلو الضمير…. فكيف نثأر لناجي .

حزينة  أنا…. مقهورة…. يزورني دائما طيفا وحلما يسأل ويسأل ولا يمل التساؤل عن المخيم والرجال والبنادق، وأنا لا أمتلك  إلا الصمت.

آخر مرة نهرني  وقال:

” أنا أسأل وأنت لا تجيبي ! تكلمي؟  كيفهم؟  أين وصلو؟

بكيت…. بكيت…. وقلت هنالك خارطة للطريق تقدم بها الأمريكان  والصهاينة وغصت  بالدمع.

صاح بصوته الهمشري صوت المخيم:

“الله لايوفقكم الله لايوفقكم… ليش  ضيعتو الطريق؟

وهلق  قولو لي شو بقلو أذا  زارني مرة  ثانية؟

فاطمة ضمن زيارة لبرلين في الذكرى السادسة عشر لإستشهاد ناجي العلي.

برلين 28 / 8 / ‏2003‏‏
الكلمة التي القيت بالذكرى السادسة عشر لاستشهاد ناجي غدرا

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *