أنا ضد تغول القمع..
أنا حزين لوفاة الناشط السياسي نزار بنات، وأتقدم لأهله وذويه بأحر التعازي، وأسأل الله أن يلهمهم الصبر والسلوان.
ما كان لهذه المأساة أن تحدث، ما دام الأمر كان قانونيًّا بمذكرة صادرة عن النيابة العامة، فلماذا الاعتقال في منتصف الليل؟ ولماذا لا يكون استدعاؤه في النهار وفق مذكرة تحترم إنسانيته وكرامته، ولا ترهب أطفاله وأهله.
قد أختلف مع نزار بنات في كثير من آرائه السياسية والاجتماعية، إلى درجة النقيض. كنت أنا وهو في موقف معاكس تمامًا أثناء حراك بدنا نعيش، كنت أنا في الاعتقال، وكان هو يحرض على قمعنا وضربنا وتكسيرنا، وإهانة الناس بغزة بما يتعارض مع مبادئ الحرية والكرامة التي ينادي بها دائمًا، ويربطها بالمكان، ولا يربطها بالمبدأ، فالقمع في نظره في غزة مسموح، بينما في الضفة ممنوع.
لكن هذا لا يمنع أنني ضد قمعه وضد إهانته وضد اعتقاله بطريقة مهينة ومذلة، وضد وفاته، وأقاتل في سبيل دفاعه هو وأمثاله من أجل حريتهم وتعبيرهم عن آرائهم، وأطالب بمحاسبة كل من تسبب بوفاته في ظروف غير قانونية وغير إنسانية.
لكنني حزين أيضًا من أولئك الذين خرجوا من صمتهم الشيطاني طوال السنوات الماضية، ليصدروا بيانات الإدانة والشجب والتخوين، ويكيلوا بمكيالين، وكأن نزار بنات أول معتقل، وأول سجين يتوفى في ظروف المعتقل.
نحن ندين مبدأ الاعتقال والاستدعاء على خلفية سياسية في كل وقت ومكان في غزة والضفة. بغض النظر عن نتائجه، وندين قمع الحريات والقهر داخل السجون.
ندين وفاة نزار بنات، ومحمد الحاج، وجميل شقورة، وهيثم عمرو وغيرهم في سجون السلطة.
وندين وفاة عصام السعافين، وأشرف عيد، وجميل عساف، وبلال ناصر حجازي العمر وغيرهم في سجون حماسس.
هذه فرصة وطنية كبيرة، لا لاستغلالها استغلالًا حزبيًا خبيثًا لتعميق الانقسام، وبث مشاعر التخوين والكراهية، والكيل بمكيالين، وقذف الناس بالحجارة من بيوت زجاجية هشة، ولكنها فرصة لسن مبادئ وطنية وإنسانية لاحترام كرامة الإنسان الفلسطيني، منع استدعائه على خلفية آرائه السياسية، منع اعتقاله، منع إهانته والزج به في الزنازين، منع الاعتقالات الليلية بجميع أشكالها، ولا تكون إلا بمذكرة اعتقال صادرة عن النائب العام. فرصة لتطبيق القانون ومنع تسلط الأجهزة الأمنية على الناس في غزة والضفة.
نحن في الظروف التي نواجه بها تغول الاحتلال علينا في القدس والشيخ جراح وسلوان وغزة وبيتا، لسنا بحاجة لفتح جبهات جديدة من الاستنزاف الداخلي، وتعزيز مشاعر الانتقام الحزبية باستغلال حادثة نزار بنات ما دامها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكننا بحاجة لتحويل هذه الحادثة إلى ميثاق شرف وطني يمنع تكرار وفاة نزار بنات جديد في سجون الضفة وغزة.