أمام “الإرهاب” لا يوجد سوى طريق واحد لا نرغب بتجربته

دعونا نعود باختصار لنهاية الانتفاضة الثانية: في عام 2003 أجبر الرئيس جورج بوش ياسر عرفات على تغيير قوانين السلطة الفلسطينية وتعيين أبو مازن رئيسًا للحكومة – منصب لم يكن موجودًا في ذاك الحين. في الوقت نفسه، تم نشر “خارطة الطريق” من طرف الرباعية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا والأمم المتحدة) كخطة مرحلية، والهدف منها التوصل في نهاية التهدئة الكاملة لإقامة دولة فلسطينية على حدود مؤقتة، وبعد ذلك لتسوية شاملة. وقد استثمر حينذاك السياسي اللامع، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، من مقره بالقدس، كل قدراته في سبيل تعزيز الخطة. لكن كل ذلك كان عبثًا: بعد المرحلة الأولى من التطبيع ووقف أغلب العمليات، لم يتم تسجيل أي نجاح. ومن ثم، بعد احتلال الضفة الغربية مجددًا في عملية “السور الواقي” – تراجعت موجة العمليات في الانتفاضة، التي أشعلها عرفات وهو يعطي إشارات لحماس بالانضمام.

لا فائدة من إعادة صياغة “خارطة الطريق” تلك، وذلك لأن الأبرياء من اليسار الحالم ما زالوا يؤمنون أن الفلسطينيون مستعدون لتسوية تاريخية مقابل “دولتهم” البائسة. ومع ذلك، من الممكن والمرغوب به البدء، من خلال مساعدة خارجية، في عملية استعادة السلطة الفلسطينية، احياء أجهزتها الأمنية المنهكة وأولًا وقبل كل شيء تطوير الاقتصاد، الخدمات والبنى التحتية. مثلما فرض بوش على عرفات تعيين رئيس حكومة رغمًا عنه، بحيث يعمل مع الغرب، هكذا يجب الآن حشد للمرة الثانية، وهذه المرة بدون بوتين، إدارة بايدن والدول المانحة من أجل اجبار أبو مازن على استبدال الحكومة العاجزة، برئاسة المحرض محمد اشتيه، ضمن حكومة يستعد أفرادها للبدء ببناء أنظمة عامة فاعلة. حين يشعر السكان أنها تعمل لأجلهم سيتغير كل شيء.

للأسف الشديد أن دكتور سلام فياض لم يتمكن من العودة لرئاسة الحكومة وتحقيق رؤيته في بناء دولة على الطريق. لكن هناك خيارات أخرى. في حال أقنعت إسرائيل الغرب بوضع شروط لتحويل الأموال لرام الله وهي تغيير دراماتيكي لسياسات السلطة الفلسطينية واتجاهها، فببساطة لن يكون أمام أبو مازن خيارًا سوى الخضوع. إنه مضطر للاستمرار في الحصول على أموال المساعدات من أجل توفير رواتب للقطاع العام الخاص به. من المهم أيضًا أن الدول العربية، بالأخص دول الخليج، تنضم للمهمة على أساس أنه يجب انقاذ السلطة الفلسطينية من التفكك. 

سيكون ذلك ثمنًا معروفًا من البداية: الالتزام بتجنب التوسع في مناطق الاستيطان وإقامة آلاف الوحدات السكنية الجديدة، عدم المساس بالمنطقة التي تقع بين القدس ومعاليه أدوميم، السماح للفلسطينيين بممارسة الأنشطة في مناطق ج، مساعدة إسرائيلية للحكومة الجديدة. هذا يعني: عكس ما أراد سموتريتش أن يحققه في سياسات إسرائيل، وبالطبع لا وجود لبن غفير في الحرم القدسي.

هذا، في رأيي المتواضع منذ سنوات، هو المسار الذي يجب اتباعه. ليس لدي أوهام بأن نتنياهو مستعد لذلك، بالتأكيد ليس مع شركائه الحاليين في الائتلاف.

وهناك حاجز آخر غير ضروري: الإسرائيليون لم يدركوا بعد، في أغلب الأحيان، أننا في خضم انتفاضة مختلفة عن سابقاتها. ليس لها بعد جماهيري كما في الانتفاضة الأولى ولا يقف خلفها منظمة معينة وسلسلة قيادة كما في الثانية. كما أنها لا تعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي مثل “انتفاضة السكاكين”. كلها عبارة عن مبادرات أفراد، تعبوا من إسرائيل والسلطة الفلسطينية معًا. من الصعب على الاستخبارات مراقبة مثل هذه العمليات ومن الصعب الرد عليهم.

باختصار: يجب أن نصعد في طريق يتجاوز حد الكمال في الإعداد العملياتي ويصعد إلى مستوى سياسي.

عن أطلس للدراسات والبحوث (المصدر: القناة 12)

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *