بعد 99 عاماً من تقديم الكاتب الإيطالي كارلو كولودي للإنسانية قصة الكذاب الخيالي بينوكيو، جلب لنا موشيه أرينز المدعو بنيامين نتنياهو، الذي هو كذاب حقيقي تماماً.
في أعقاب المقابلة التي أجراها رئيس حكومتنا مع مجلة “تايم”، تذكرت ارينز، الذي شغل فيما شغله منصب، وزير الخارجية وتوفي قبل خمس سنوات.
حتى أولئك الذين لم يتفقوا مع آراء نتنياهو قدّروه كرجل محترم وأخلاقي ومتواضع. الجميع أطلق عليه اسم “ميشا”، لكن منذ سنوات، وفي كل مرة نسمع فيها كذبة أخرى من اكاذيب نتنياهو، يخطر في ذهني لقب “جيبتو”، المعروف أيضًا وهو النجار الذي ابتكر بينوكيو، الدمية الخشبية التي عادت إلى الحياة و لم تتوقف أبدا عن الكذب والخداع .
في موازاة عمله كمدير تسويق في شركة ريم للأثاث، أنشأ نتنياهو “معهد يوناتان لابحاث الإرهاب” تخليدا لذكرى شقيقه يوني. صحيح أن المعهد انتهك التزاماته لإرسال التقارير المالية إلى مسجل الجمعيات ولم يعمل على تعيين لجنة تدقيق، إلا أن نتنياهو في إطار عمله في المعهدأثار إعجاب السياسيين، بما في ذلك عضو الكنيست موشي ارينز . واختار نتنياهو، البالغ من العمر 32 عاماً، الوسيم والفصيح، نائباً له. ومن هناك، كانت المسافة قصيرة إلى منصب السفير لدى الأمم المتحدة . وعند عودته إلى إسرائيل، انتخب عضواً في الكنيست وأصبح مرة أخرى نائباً لآرينز، وهذه المرة في وزارة الخارجية . كانت مناصبه الثلاثة التي سبقت منصبه كرئيس للحكومة – نائب السفير في واشنطن، والسفير لدى الأمم المتحدة، ونائب وزير الخارجية – لا تستلزم إدارة ميزانية كبيرة أو طاقم موظفين كبير ولا تحدد سياسات .كان يتم قياس نجاحها بشكل أساسي من خلال الانطباع الذي يخلقه شاغل المنضب ، ومن خلال القدرة على التحدث.
ومنذ ذلك الحين وهو يتحدث . عندما يكون الامر مناسبا له ، يقول الحقيقة. واذا لم يكن كذلك ……

في صيف عام 2023، وفي خضم محاولة للانقلاب على النظام في إسرائيل، رفض رئيس حكومتنا إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية باستثناء أبواقه فقط، وانطلق في حملة إقناع للجمهور في العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وكأنهم هم الذين سيتعايشون مع “إصلاح” يبادر له ائتلاف شرعي ولكن عرضي – ومن السهل نسيان أنه في انتخابات عام 2022، فازت الكتلة التي شكلت الإئتلاف بنصف صوت فقط أكثر من المعارضة. في مقابلة تلو الأخرى، كان يوجه نظره مباشرة إلى الكاميرا، ويستخدم القواعد المعروفة له، وكان يخدع من يقابلونه.

حسب رأيي، كانت المقابلة الأبرز هي مقابلته مع وولف بليتزر على قناة سي إن إن. عاش بليتزر لعدة سنوات في إسرائيل، وكان يتحدث اللغة العبرية وعمل في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهو ليس صحافياً عادياً، وانما كان ضليعا بشؤوننا، ولكن نتنياهو نجح في خداعه أيضاً .
وردا على اقتباس مقولة من إيهود أولمرت، قال نتنياهو بازدراء: “أولمرت؟ تذكر يا وولف (إحدى براءات الاختراع التي تتعلمها هي مخاطبة المحاور مرارا وتكرارا باسمه الأول. وهذا يحاكي العلاقة الحميمة مع المشاهد الذي يمثله المحاور، مع الحفاظ على مكانته كشخص أجريت معه مقابلة بدرجة مثيرة للإعجاب)، كان يحظى بتأييد 6% وقام الجمهور بطرده من السياسة”.

استقالة أولمرت من رئاسة الوزراء لم تكن استجابة لاستطلاعات الرأي العام. حتى قبل تقديم لوائح الاتهام ضده، أعلن عن انتخابات تمهيدية في حزب كاديما، وفي وقت قصير سلم عصا الزعامة إلى تسيبي ليفني. بل إنه فعل تماما ماطلبه منه رئيس المعارضة آنذاك، عضو الكنيست نتنياهو، الذي أعلن أن “الغارقين في التحقيقات ليس لديهم التفويض الأخلاقي والعام لتحديد مثل هذه الأمور المصيرية بالنسبة للبلاد”. ما هو صحيح هو صحيح.

كل ماذكرته أعلاه دفعني إلى تجنيد مجموعة من السفراء السابقين لتوقيع رسالة مفتوحة إلى أعضاء الكونجرس وتحذيرهم لضرورة التعامل بعين الريبة مع كلام رئيس الحكومة .
ومن غير اللائق “نشر غسيلنا القذر” (آسف على هذه العبارة ). ولكننا لسنا من اخترنا الساحة، ولسنا نحن من قرر أن الغرباء هم الهدف المناسب لجهود الإقناع.

لقد مر عام تقريبًا على حرب قاتلة، ولم يجد رئيس الحكومة بعد أنه من المناسب الجلوس مع الصحفيين الإسرائيليين، باستثناء من يقولون نعم وآمين . وكأن قراء صحيفة «التايم » هم الذين يخافون من طرق الباب، وكأنهم هم الذين يخزنون التونة والماء والبطاريات، وكأنهم هم الذين يستحقون الحصول على أجوبة. ماالذي كذب به على قراء الصحيفة الذين هم بالنسبة له أكثر أهمية منا نحن الإسرائيليين الذين يدفعون راتبه ؟ حسنا، لماذا لا؟ “التايم” نفسها أجرت تحقيقا مفصلا وغير مجامل، قارنت فيه كلامه بالحقائق، من بين أمور أخرى، حول دوره في تعاظم قوة حماس.
بعد أن تحول بينوكيو من قطعة خشب إلى صبي وبدأ مقالبه وأكاذيبه، لاحظ جيبيتو أنه نسي أن يصنع له أذنين، هذا الزوج من الأعضاء الذي بواسطته نسمع به ونتعلم ونفهم . وبدون القدرة على الاستماع، يتصرف الشخص بشكل أساسي انطلاقًا من حاجاته الخاصة ومن أجل نفسه، بغض النظر عن الحقيقة والقيم والعواقب بالنسبة للآخرين .

المصدر: موقع والا العبري

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *