أفكار أولية للخروج من عنق الزجاجة

ماذا ينتظر الفلسطينيون لكي يشدوا الرحال نحو توحيد جهودهم وتوحيد استراتيجيتهم لدرء الخطر المحدق بشعبنا في الداخل والشتات.
لم يبقى متسع من الوقت للانتظار، وننتظر ماذا؟ الكل أصبح مشغولاً كيف يرضي اسرائيل وأمريكا حتى قوى فلسطينية كانت محسوبة، يوما ما، في خانة الصف الوطني.
اسرائيل نجحت، ومعها امريكا، في تغيير المعادلة السياسية والعسكرية والاستراتيجية في المنطقة العربية على حساب أهلها، وبالتنسيق الكامل مع الأنظمة العسكرية العربية. وكما هو معلوم، ونراه كل يوم، اطماع اسرائيل هي ابعد من فلسطين بل تتعداها إلى دول الجوار كسوريا ولبنان، فلم تعد اطماع الحركة الصهيونية سراً على أحد فهي تسير بخطى متسارعة نحو تحقيق أهدافها بإخضاع المنطقة بالكامل لسيادتها.
وبالنسبة لنا كفلسطينيين فنشاهد كل يوم الإبادة الجماعية في غزة والهجوم الصهيوني للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية وتهجير ما يمكن تهجيره من شعبنا خارج فلسطين، وبناء مستعمرات جديدة على حساب ارضنا وحقوقنا. ونجد، ويا للعار أيادي فلسطينية، تقوم بتسهيل هذا المشروع في الضفة الغربية لإسرائيل ومستعمِريها .
نجد أنفسنا في حيرة ما العمل، وما يمكن أن نقوم به بعد أن أهلك الجسد السياسي الفلسطيني بالخلافات السخيفة بين تنظيمات أصبحت لا تمت بصلة لشعبها. فنجد الكل يقف مكتوف الأيدي وفي حالة من الانتظار، ونكتفي بترديد شعارات مثل يجب توحيد الصفوف وطي الخلافات، وهكذا وبدون أي نتيجة. كل يوم يمضي يتسع المأزق ولا توجد بالأفق بوادر للخروج من عنق الزجاجة.
نحن بحاجة لتجديد حركتنا الوطنية وبنائها على أسس جديدة وعلى أساس برنامج وطني جديد جامع للكل الفلسطيني من فلسطين التاريخية للضفة والقدس وغزة والشتات، وإعادة فكرة فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر، وعلى أساس حقوقنا التاريخية وعلى عدالة قضيتنا .
كفى تهميشا لقضيتنا وكفى تخاذلا وتعاونا ومهادنة مع المحتل الذي لا يريد أن يرى أي منا في أرضنا ويقولها صباح مساء: “أرض أكثر شعب أقل”. بعد هذا العدد الكبير من التضحيات والشهداء عبر السنين وعبر التجارب السابقة، والتي هي في غالبها لم تحرر أي جزء من فلسطين، بل ساهمت بشكل غير مباشر بتراجع قضيتنا وعلى كافة المستويات، بعد كل ذلك، لا بد من التفكير في سبل الخلاص من واقع مؤلم.
أعتقد أنه من الضروري التفكير خارج الصندوق، والنهوض بحراك وطني فلسطيني على أن يحدث قطعا مع المرحلة الماضية، بما لها وما عليها، وبناء مشروع وطني جديد يوحدنا سياسيا ويوحد أداءنا كل من موقعه. وعليه، أرى ان هناك مضيعة للوقت في البقاء بنفس المربع المنادي بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة تشكيل الأطر القديمة لأنها أصبحت متقادمة ولا تصلح أمام المهمات الجديدة، وأمام التحدي الصهيوني المحيق بقضيتنا. تلك الأطر وجدت في زمن معين وفي ظروف معينة من القرن الماضي ولا يمكن أن تصلح ليومنا هذا.
الخروج من عنق الزجاجة يتطلب التفكير الجدي من كافة أبناء الوطن كل حسب كفاءته وإمكانياته في الانخراط ببناء جسم سياسي وإن كان مؤقتا (provisional). أي خلق إطار فلسطيني جامع يتسع لكل الفعاليات والقدرات التنظيمية والثقافية والسياسية والاقتصادية والمالية داخل فلسطين وعلى مستوى الشتات والعالم، هدفه إعادة صياغة برنامج وطني متفق عليه بشكل ديمقراطي، وتطوير أدوات أو أطر تنفيذية لتقوم بالتبشير به ورفع الأداء الفلسطيني عربياً و عالمياً والتصدي بشكل شامل للسياسات الاسرائيلية العنصرية والاستيطانية، وكذلك التصدي للسياسات الامريكية والغربية المعادية لحقوقنا كما تكشّف بشكل واضح في حرب الإبادة في غزة.