أفغانستان ـ نقرأ الاقتصاد والنسيج الاجتماعيّ

(أذكر أن المعلّم إميل حبيبي أرسلني إلى مكتبة جامعة حيفا ـ قد يكون ذلك في العام 1986 ـ لأقرأ عن أفغانستان وأكتب مادة تشرح للقارئ ماذا يستتر وراء هذا الأسم ـ وقد فعلت بشغف)

ـ المسكونون من العرب ـ وسواهم ـ بأمريكا حدّ الاستبطان يرون فيما حصل هزيمة نكراء للإدارة الأمريكية بينما الأمور أكثر تعقيدا، وتقول إن ما حصل هو بقرار أمريكي وعبر تفاهمات مع حركة طالبان التي كانت حليفة لأمريكا منذ نشأتها في إطار مواجهة الخطر السوفييتي الذي وصل حدود باكستان مع غزة “الاتحاد” لأفغانستان في بداية الثمانينيات من القرن الفائت. إن المفاوضات الجارية من سنين بين طالبان وألأمريكان في قطر وبين طالبان ودول أخرى بينها الصين وعدّو الأمس ـ روسيا هي أصل ما يحدث من اسبوعيْن.

ـ قُلنا أن طالبان ككل الحركات القائمة على عقيدة ـ وهنا دينية إسلامية وفق المذهب الحنفي. لها نشأة ومنهجية وأحداث مصمّمة ورؤيا. لقد نشات حركة دينية ثم تطورت إطارا عسكريًّا على مرحلتين ـ مرحلة مقاومة الغزو السوفييتي ومرحلة مقاومة الغزو الأمريكي. وكردّ فعل على غزوين اتخذت خطًّا أصوليا في كل شيء ولديها القاعدة الشرعية لذلك ـ المذهب الحنفيّ. إلّا أنها تحدّرت بالأساس من البشتون كقومية هي الأكبر في أفغانستان. ويُمكن رؤيتها التيار الإسلامي النافذ في هذه القومية التي لديها نُخب علمانية أو متدينة معتدلة.

ـ يبدو ـ والحكم على تصريحات قيادات طالبان ـ أنهم في سبيلهم إلى توسيع شرعيتهم السياسية علما بوجود 7 -8 أقليات عرقية وقومية وازنة كالطاجيك والأوزبك والتركمان في أفغانستان تحتاج إلى تعاونهم أو رضاهم عن حكمها. هذا ناهيك عن التمايز الديني واللغوي في هذه البلاد الشاسعة. طالبان التي سيطرت على المدن الرئيسة وفيها نحو 25% فقط من السكان ستكون ملزمة بإيجاد الوسائل لإدارة البلاد خاصة وأن بعص المدن شهدت بعض التظاهرات ضد الحركة أو تحمل مطالب من “الحُكم” الجديد.

ـ عكس المرحلة السابقة التي حكموا فيها البلاد بقبضة حديدية خاصة فيما يتصل بالمرأة ودورها ووظائفها ـ فإن قياداته بدأت تبث تصريحات مطمئنة بهذا الخصوص وأنها مهتمّة بحكم تشاركي مع مجموعات ونُخب أخرى. ربّما لأنها رأت أن تُحسن من موضعها الدولي كاستمرار لجهودها في هذا المضمار من سنوات لا سيّما تجاه الصين وروسيا ودول وازنة أخرى.

ـ الحركة ككل حركة عقيدية ـ دينية أو علمانيّة ـ ستهتم بتثبيت حكمها واكتساب شرعية دوليّة له. وقد تواجه خصومها بالعنف أو بالتي هي أحسن أو بالطريقتي، ـ هكذا كل الحركات القومية في العالم ـ وستكون قابلة لاستخدام العنف الدموي كما حصل من قبل، أو قابلة للتحوّل من العنف الأصولي كما عُرفت به إلى حركة معتدلة تحثّها أطراف دولية على ذلك ضمن شراكات تهتمّ الأطراف الدولية في إطارها بتحقيق مصالحها في هذا البلد الذي ـ إذا ما تمّ إعماره ـ فسيشغّل آلاف الشركات الأجنبيّة. أما الجانب الأهمّ في الأمر فهو هذه المناجم وهذه المعادن والمواد النادرة المتوفّرة في هذا البلد وهي هامة للصين وروسيا والهند وباكستان وروسيا وإيران في إطار الصراع الكونيّ على الموارد. ونُشر أن أمريكا نهبت من هذه المواد النادرة ما يكفيها لقرن كامل خلال العشرين سنة الأخيرة.

ـ ليست هناك دول خيّرة وأخرى شرّيرة بل هناك مصالح ووسائل لتحقيقها نتفق معها أو نختلف. القاعدة التي لا تزال نافذة هي: هيا عرفنا الاقتصاد لنفهم السياسة. إلى أي مدى ستكون حركة طالبان قادرة على الاستجابة إلى ضغط القوى الخارجية لاستثمار موار أفغانستان مقابل الضغط للاستجابة إلى مطالب ومصالح القوميات والأعراق التي تؤلّف البلاد؟ سؤال قد نرى إجابات له بأن تبادر قوى دولية إلى التحالف مع قوى داخلية للضغط لضمان مصالحها. ولن تستقرّ البلاد بدون إيجاد توازن مصالح بين القوى الداخلية والقوى الخارجية الطامعة. ولا ننسى أن العالم في صراع كوني متجدد حول المصالح والموارد وخطوط الملاحة والمواقع الحيوية.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *