تثير في نفسي فترة الأعياد أحاسيس مختلفة ومتناقضة، بين جمال الاحساس بعمق حاجتنا للمحبة وامتناننا لكل من يعمل ما بوسعه ليسعدنا، وبين التفكير العقلاني بجذور هذه الظاهرة.
ليس لدي شك بأن الانسان، بعد تناسل وتوارث تجارب ومفاهيم ومعرفة، امتدت عشرات آلاف السنين، قد ابقى على ما يحتاج منها ونبذ الباقي.
فغريزياً يحتاج الانسان محبة الآخرين لأنها تمنحه الآمان بأنه بعيدٌ عن الأذى، بينما يحتاج بعض القسوة لأنها احد اسلحته في صراع البقاء. لذلك نرى بأن من كانت حياته مستقرة بإمكانه منح المحبة، بينما من يعاني من تعقيدات الحياة يُبقي على القسوة كمعين له في ردعها.
وبما ان ظروف حياة الاشخاص مختلفة فلذلك لم يصل الانسان حتى اليوم لحالة ثبات وتوازن بين الخير والشر داخله كفرد، ولكن البشرية تسعى بشكل تلقائي لحالة عامة من التوازن.
من هذا المنطلق انا أؤيد الابقاء على المناسبات التي تمنح الروح الهدوء والطمأنينة والفرح، مع التقليل قدر الإمكان من البريق المادي البارد المصاحب لها.
ومن هذا المنطلق أؤيد بعض السذاجة والتغاضي عن التحليلات العقلانية في المناسبات الدينية والتي قد تجعل الشخص يتساءل: ما دمت لا تؤمن بالقصة التاريخية فلماذا تحتفل ؟
نحن نحتاج بعض السذاجة لكي نبقي على جمال الروح، ولذلك اسفت جداً للحملات التي ظهرت في المجتمعات غير المسيحية والتي تُنهي بشكل حاد عن تهنئة اصحاب العيد، بسبب الاختلاف في الرواية الدينية. لم ارى في ذلك عنصرية كما رآها البعض، بل ازعجني اكثر ابتعاد المتشدد دينياً عن فطرته الانسانية التي تحتاج الفرح وتسعى إليه. فكما قلت يحتاج العالم بعض التوازن بين أضداده، وبما ان الشر تلقائي في هذا العالم وسهل الحدوث ، يبقى دور الانسان الاهم هو الخير، حتى لو كان الثمن بعض السذاجة.
لفتت نظري لوحة لطيفة، تُنشر في فترة عيد الميلاد وكأن قائلها طفلاً مقتنعاً بان بابا نويل يمنح هداياه للاطفال “المطيعين”، ويعرف ذلك الطفل بأنه قد “اخطأ” (بمفهوم المجتمع) فيجهز نفسه قائلاً: “بابا نويل انا استطيع ان اشرح لك الظروف”. ولكنه وقد بدأ يكبر وخسر بعض سذاجته، ويتسلح ب”اسلحة” صراع البقاء يسأله: “اخبرني أولاً ماذا تعرف عن الموضوع ؟”. وكأنه لا يريد لسانتا ان “يوقعه في الكلام” فيعترف بنا لا يريد.
لو استطاعت البشرية الحفاظ على هذا التوازن الذي وصل إليه ذلك الطفل بين السذاجة الجميلة والخبث البريئ لكنا جميعاً بخير 💕