أزمة القائمة المشتركة ،تلاشي المعنى، وضياع الفرصة
لا يبدو السجال الحاصل بين مركبات المشتركة على أثر دعوة نتنياهو الى لجنة مكافحة العنف من قبل عضو الكنيست منصور عباس سجالا مؤسسا على اختلاف ايدولوجيات ورؤى بل يبدو خلافا حول التكتيك والاسلوب واللغة والنبرة والنجومية وربما حجم الجرعة. فجميع مركبات المشتركة التقت سابقا مع رئيس الحكومة بأريحية كبيرة في اغسطس 2015 عشية اعلان الخطة 922 والتقطت الصور مع ابتسامات كبيرة ناهيك عن التوصية لجانتس منقذ وحليف نتنياهو. إذا ما هو الخلاف ولماذا هذا السجال؟ ولماذا يفضل البعض اختيار عنوان “نتنياهو يريد تفكيك القائمة المشتركة”؟
لم تكن ولادة القائمة المشتركة نتاج فهما نضاليا تراكميا ولم تكن وليدة لحظة تاريخية فاصلة بضرورة العمل المشترك وتوحيد صفوف الاحزاب في كلمة واحدة ضد اصناف الظلم والتجبر والعنصرية في اسرائيل والخطر المحدق على المجتمع العربي والقضية الفلسطينية، بل كانت ردة فعل وضرورة انتخابية مصلحية حزبية مباشرة للأحزاب العربية المتصارعة على الصوت العربي للكنيست بعد رفع نسبة الحسم وتشكيل تهديد مصيري على وجودها. وليس سرا ان جُل النقاش في مخاض ولادتها القيصرية تمحور حول المقاعد وترتيبها بعيدا عن بحث اية مشاريع نهضوية داخلية او توافق حول خطط لبناء المؤسسات الجمعية او التأسيس لحالة سياسية جديدة تنتج ادوات جديدة تتماشى مع حالة التصعيد العنصري ضد المجتمع العربي واحتياجاته الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة. بل كان أكثر ما قامت به القائمة المشتركة هو تقديم رزمة متقنة من الشعارات التي الهبت عواطف الناس المتعطشة الى عمل جماعي وحدوي.
ومنذ تأسيسها لم ترتقي القائمة المشتركة الى بناء رؤية موحدة او برنامج عمل متفق او تنسيق العمل السياسي بين مركباتها وما بدأته من لقاءات معدودة مع مثقفين وأكاديميين قبل الانتخابات توقف لاحقا وتبين انه جزء من عملية الاحتواء والتجييش الانتخابية. وبعد الانتخابات عادت مركبات المشتركة الى نهج العمل الحزبي الانتهازي بأدواته القديمة تناور في هوامش السياسة الاسرائيلية بنجومية افرادها وتتنافس بالبحث واصطياد الفرص والانجازات العينية هنا وهناك ليزفوها الى المجتمع العربي كنصر مُظفر باسم فلان وعلان. والحقيقة ان هذه هي منطقة الراحة الحزبية التي تتقنها الاحزاب العربية بجدارة ولها عرابيها وادواتها وفزاعاتها وهي مدرسة تطبقها الاحزاب العربية منذ نشأتها. وبالمحصلة النهائية فان القائمة المشتركة ذات الشرعية والثقة الكبيرة هي صاحبة رفع مقام نهج الانجازات والتأثير وشعار “بدنا نخدم مجتمعنا” الى مقدمة العمل السياسي وما يقدمه منصور عباس من تعاون وغزل مع اليمين الحاكم تحت شعار “خدمة شعبنا” يندرج ضمن مدرسة “انجاز يلوه انجاز” السائد في المشتركة. ومن هذا الباب هناك حاجة لمراجعة ذاتية وفهم المطلوب داخليا من المشتركة وتثبيت الخطوط الحمراء بشكل واضح.
لقد تناست المشتركة وابتعدت عن الخوض في أحد اهم مطالب المجتمع العربي منذ أكثر من عقدين لإعادة بناء وترتيب البيت الداخلي واجراء انتخابات لهيئة وطنية عليا او مجلس وطني اعلى للمجتمع العربي، حيث فضلت انتاج ذاتها واعادة تدوير ما تتقنه مركباتها في البحث عن فتات انجازات مادية وانتصارات فردية ونجومية واهية.
ما لم يدركه السياسيون في القائمة المشتركة ان مدرسة او نموذج السياسي النجم صاحب الانجازات لها مخاطر كبيرة اذا وضعت كهدف اعلى وتم تسويقها بالطريقة المنتهجة اليوم واهمها انها ستقصر الطريق لتحالفات مع اليمين الحاكم، وستؤدي الى براغماتية مفرطة وخطيرة تتجاوز اللعب في الملعب المحلي الى اخذ دور التطبيع والتجسير مع الدول الاسلامية والعربية كما جاء على لسان منصور عباس ذاته في احد مقابلاته المتلفزة.
لن تستطيع القائمة المشتركة مستقبلا التحكم بعمق هذه البرغماتية لأنها ستجد من يؤدلج لها ومن يأخذ من النماذج التي قدمتها المشتركة ذاتها حججا مقبولة لتبرير نشاطاته المستقبلية. فالقائمة المشتركة التي فتحت هذا الباب على مصراعيه في ظل غياب بوصلة وطنية جامعة ومؤثرة لا تستطيع ان تتحكم بمن سيدخل او يخرج منه ولا تستطيع ان تلعب دور الحاجب على بعض مركباتها او اخرين غير حزبيين. والأخطر انها لن تستطيع منع اليمين من الخروج من هذا الباب لمخاطبة العرب مباشرة.
هذا المأزق مرتبط ارتباط وثيق بضعف بُنّية الاحزاب، وبالتالي بضعف لجنة المتابعة وترهلها وانتهاء دورها السياسي وتهميش صوتها في نقد وتصويب العمل السياسي وبالأخص البرلماني فلا نسمع لها صوتا بكل ما يتعلق بهذه المواضيع. وكيف لها أن تفعل ذلك وهي اصلا مركبة وممولة من هذه الاحزاب؟ فالحاصل انه انتهى دورها الى لجنة مراسيم وتنسيق وبيانات وتنبيهات وتحذيرات.
لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية تشمل اغلبية التيارات الفاعلة داخل المجتمع العربي. واغلبية مركباتها الحزبية ( الجبهة، التجمع، العربية للتغيير، الحركة الاسلامية الجنوبية) تشارك في الانتخابات وبالتالي تحصل هذه الاحزاب على تمويل انتخابي كبير شهري بمئات الاف الشواقل لتفعيل كوادرها واعمالها الحزبية وماكناتها الاعلامية. اما لجنة المتابعة فلا توجد لها مصادر دخل غير ذلك الاشتراك اليسير من مركباتها وبالأساس تلك التي تشارك في الكنيست، رئيسها يعمل بدوام كامل بشكل تطوعي وبالتالي فهي لا تملك حتى امكانية تشغيل موظفين وهي ليست مؤسسة بالمعنى الكامل للمؤسسة وحتى انها لا تملك حسابا بنكيا.
ليس سرا انه مذ ان انطلقت المشتركة ضعفت البنى التنظيمية في الاحزاب، وضعف العمل الجماهيري واضمحل الدور الميداني للأحزاب فالتنافس بين الاحزاب اختفى تقريبا وجمدت انشطة الفروع الحزبية او اغلقت فلا يوجد تثقيف او تجنيد وتحولت الاحزاب من منظومة جماهيرية الى احزاب انتخابية موسمية. وترهلت اليات المحاسبة والمكاشفة الداخلية واختفت النقاشات الحزبية الداخلية والبين حزبية. فعلى سبيل المثال، من معروف انه في التراتبية التنظيمية الحزبية ان وظيفة سكرتير الحزب او الامين العام هي الاهم والاعلى في الحزب ولكن في الواقع اصبح عضو الكنيست هو الواجهة الرئيسية وهو صاحب الاضواء ويعمل في فلك خاص به. وفي بعض الاحزاب لا نعرف من هو الامين العام وفي احزاب اخرى هناك من ترك هذا المنصب الكبير والهام لأجل ان يصبح عضو كنيست وبالتالي ضعفت ايضا لجنة المتابعة بكون الاشخاص المنتدبين بها من الاحزاب، غير مؤثرين داخل احزابهم ولا يملكون القرار. وأصبح عضو الكنيست الذي انتخبه الحزب ليكون مندوبا في الكنيست النجم والقائد السياسي والمندوب وهو ” المختار” “وحلال المشاكل” ومتوقع منه احضار الانجازات في بيئة ونهج يشجع النجومية والنرجسية واصطياد الفرص حتى على حساب الثوابت والخطوط الحمراء التي يتم تميعيها من سنة لأخرى وبهذا تم اختزال العمل السياسي في نشاط اعضاء الكنيست وحراكهم.
ان اقامة هيئة وطنية عليا منتخبة مدعومة ماليا من الشعب مباشرة هي عملية ولادة جديدة للمجتمع واعادة اعتبار للعمل السياسي والحزبي وستشكل مركزا وثقلا سياسيا جديدا سيغير من مفاهيم اللعبة وسيخلق حراكا سياسيا جديدا ستؤدي اولا الى رفع السقف الوطني وبإعادة المعنى للعمل السياسي النضالي ويضع التوازنات المطلوبة بين القومي والمدني المطلبي ويعيد للأحزاب ومنظوماتها هيبتها وللعمل السياسي المعاني المفقودة ويضع مصيرنا بين ايدينا وسيمنح امكانية المشاركة السياسية لفئات كبيرة من المجتمع غير منخرطة في الاحزاب والحركات الموجودة اليوم ، والاهم انه سيعيد التعريف الصحيح لعضو الكنيست ليكون ساعي باسم المجتمع وستقلل من استحواذه على الموقف السياسي والوطني وستقلل من التناقضات الناتجة عن عمله. وايضا ستحدد طرق واليات انتزاع الحقوق من خلال النضال الشعبي وليس من خلال الاصطياد والصفقات.
هذا التناقض الموجود بين المدني والقومي سيبقى يلازمنا ما لم تقم الاحزاب والتيارات العربية والناشطين بوضع برنامج واضح لانتخابات حقيقية للجنة المتابعة بحيث تكون البوصلة السياسية الوطنية وتكون هي المركز السياسي الاساس.
اما النقطة الاخيرة التي اود الاشارة اليها هو ذلك الاتهام التهيجي الصادر عن القائمة المشتركة بان نتنياهو يسعى الى تفكيك المشتركة، فحتى لو كان صحيحا فهو شرعي جدا من قبل اليمين ومتوقع. ولكن هذا العنوان يبعد النقاش الحقيقي المطلوب عن دور المشتركة ونجاحها وفشلها. فأولا، لا أحد يملك قرار تفكيك المشتركة غير تصرفات ومواقف اعضائها وارادتهم. ثانيا هل هذا العنوان يعني بالضرورة بانه يجب ان نصطف مباشرة لحماية المشتركة من نتياهو بدون فتح أي حساب حول عملها ودورها وأثرها وتخبطاتها ومغامراتها؟ هذا الاتهام الذي يسعى الى تجييش الناس خلف المشتركة مجددا هو اشعار باقتراب الانتخابات وهو ليس اكثر من شعار جديد لتجنيد الناس عاطفيا، وتجنب النقاش المطلوب حول معنى وجود المشتركة والعمل والدور المطلوب منها . ما يغيب عن البعض ان المشتركة ليست هدفا بحد ذاتها ولن تكون ايقونة مقدسة. الحفاظ على القائمة المشتركة بمثل هذه الظروف والمعطيات ليست فضيلة وليست قيمة فهي لا تملك مشروعا ولا حتى رؤية او برنامجا ومركباتها الرئيسية في سبات حزبي دائم وانتجت فراغا سياسيا كبيرا داخل المجتمع. فلا يمكن تسويقها من جديد بدون ان تقوم بمشروع وطني بنيوي يحدث تغييرا في الساحة الداخلية. ولن يسعف اعضاء المشتركة التلويح بنتنياهو من اجل اقامة جبهة ضد داخل المجتمع العربي لإنقاذ المشتركة مجددا.