آلية دولية لاستقرار وتشكيل سوريا الجديدة

المقدمة :
في أعقاب صعود النظام الإسلامي في سوريا، تشكل في هذا البلد واقع وضع أمام إسرائيل تحديات وفرص في آن واحد . تم إخراج إيران من سوريا، ولكن من المتوقع أن تعمل على إعادة حضورها هناك ،و تركيا تلعب دوراً مركزيا في سوريا، وهو التطور الذي قد يسبب احتكاكاً سياسياً وعسكرياً مع إسرائيل ، وفي سيناريو متطرف قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية . وفي الوقت نفسه، فإن تركيا هي على مايبدو الطرف الوحيد الذي يملك الدافع والقدرة على إرسال قوات برية إلى سوريا . ولذلك فإن تركيا قد تلعب دوراً إيجابياً في استقرار سوريا وتقليص خطر اندلاع أعمال عدائية بينها وبين إسرائيل .
إعادة إعمار سوريا وتحقيق الاستقرار فيها يستلزمان الكثير من الموارد والتعاون الدولي. ومن أجل ذلك هناك اقتراح لتقديم مبادرة إلى الإدارة الأميركية لإنشاء آلية دولية لإعادة إعمار سوريا برئاستها . بالنسبة لإسرائيل، تهدف الفكرة إلى الحد من مخاطر الاحتكاك العسكري بينها وبين سوريا ، – وتقييد أيدي تركيا في الهيئة الدولية، وبالتالي تعزيز فوائد مشاركتها وتقليل المخاطر الكامنة فيها ، وأيضا تقليل مخاطر عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا.
المشاركة الإسرائيلية العلنية في هذه الآلية قد تؤدي على مايبدو إلى إفشالها مسبقا ولذلك يوصى بأن يقتصر الدور الإسرائيلي على طرح الفكرة على الإدارة الأمريكية والعمل بالتعاون معها لضمان مصالحها .
التحدي :
يتشكل في سوريا واقع جديد في أعقاب صعود النظام الإسلامي، الذي يحيط الغموض بطابعه المستقبلي ، ولكن من المتوقع أن يضع أمام إسرائيل مخاطر وفرص على حد سواء . لقد تم إخراج إيران من سوريا، ولكن من المتوقع أن تعمل على استعادة وجودها على أراضي الدولة ، ومن المتوقع أن تلعب تركيا دوراً مركزيا في تشكيل سوريا الجديدة ، الأمر الذي قد يتسبب في حدوث احتكاك سياسي وعسكري مع إسرائيل ، وفي سيناريو متطرف قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية بينهما . وفي الوقت نفسه، ربما تكون تركيا هي الطرف الإقليمي الوحيد المشارك بشكل مباشر في سوريا والذي يوجد لديه الدافع والقدرة على إرسال قوات برية للمساعدة في تشكيلها . ولذلك ، بالنسبة لإسرائيل، قد تلعب تركيا دوراً إيجابياً في تقليص أو منع خطر اندلاع أعمال عدائية بينها وبين النظام السوري الجديد – الميليشيات التابعة له، أو قوى أخرى في سوريا.
بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، أصبحت سوريا دولة فاشلة ومتفككة. ومعظم أصحاب الشأن في المنطقة وعلى الساحة الدولية، بما في ذلك إسرائيل، يتطلعون إلى تحقيق الاستقرار فيها، ويدركون أن هذا يتطلب تعاونا وموارد كثيرة ، والمشاركة في المصالح تشكل الأساس للمبادرة المقترحة .
الفكرة الرئيسية :
- إنشاء آلية دولية بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة تركيا ودول الخليج (السعودية والإمارات وقطر) ومصر والأردن ومجموعة الدول الثلاث – فرنسا وألمانيا وبريطانيا – ودول غربية أخرى والأمم المتحدة وأي دولة أخرى- بما في ذلك روسيا – تكون مستعدة لتبني المبادئ الأساسية (الشروط المرجعية) (Terms of Reference ) للآلية المقترحة أدناه لتشكيل واستقرار سوريا .
يجدر التأكيد على أن المشاركة الإسرائيلية في الآلية المقترحة ستؤدي على مايبدو إلى فشلها مسبقاً . لذلك من المهم أن تكتفي إسرائيل بطرح الفكرة على الإدارة الأميركية واتخاذ الإجراءات معها لتأمين مصالحها الحيوية .
أهداف المبادرة :
تهدف السياسة المقترحة إلى تحقيق عدد من الأهداف المهمة للأمن القومي الإسرائيلي: - استقرار سوريا وتقليص أخطار الاحتكاك العسكري بينها وبين إسرائيل.
- تعزيز الإيجابيات من التدخل التركي في سوريا وتقليص الأخطار بالنسبة لإسرائيل .
- تقليص أخطار تجدد نفوذ وتمركز إيران في سوريا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا سيمثل خطوة أساسية في إطار عملية لإستقرار الشرق الأوسط في اليوم التالي للحرب متعددة الساحات ضد إسرائيل.
المبادئ الأساسية : - سوريا مستقلة، ذات سيادة، وموحدة.
- نظام سوري معتدل يحترم حقوق الإنسان لجميع مواطني البلاد بغض النظر عن الدين أو القومية أو الجنس، إنطلاقا من بلورة حل متفق عليه لضمان حقوق الأقليات .
- الانتقال التدريجي نحو الحكم الديمقراطي، بما في ذلك إجراء الانتخابات، بوتيرة تتلائم مع القدرات العملية لسوريا.
- منع إعادة تمركز إيران وحزب الله في سوريا.
- سوريا التي لا تشكل تهديداً على أمن جيرانها، بما في ذلك منع استضافة الأطراف الإرهابية وتفكيك كل الأسلحة غير التقليدية على أراضيها تحت إشراف دولي.
- الحفاظ على حدود آمنة ومتفق عليها مع جيران سوريا – إسرائيل والأردن والعراق ولبنان.
- انسحاب كافة القوات الأجنبية من سوريا وحل كافة القوات العسكرية غير الحكومية، بوتيرة تتلائم مع عملية الاستقرار، وبالتنسيق مع الشركاء في الآلية المقترحة وبموافقة النظام.[2]
- تعزيز وتنسيق إعادة التأهيل الاقتصادي لسوريا، والعودة الآمنة وإعادة توطين اللاجئين والنازحين السوريين الراغبين في ذلك، بما في ذلك أولئك الذين لجأوا إلى تركيا ولبنان والأردن ودول الاتحاد الأوروبي.
- ستنتهي الآلية الدولية من دورها بناء على طلب سوريا.
بنية ووظائف الآلية الدولية : - تشكيل لجنة توجيه عليا من جميع أعضاء الآلية الدولية لبلورة سياستها، بقيادة الولايات المتحدة وبالتنسيق مع الحكومة السورية، اللتان ستحتفظان بحق النقض (الفيتو) على قراراتها. ستكون اللجان الفرعية المتخصصة تابعة للجنة التوجيه وستعمل وفقًا لأرائها .
اللجان الفرعية برئاسة: - الإصلاح السياسي والقضائي – 3E.
- الأمن (بما في ذلك حل القوات العسكرية غير الحكومية) – تركيا.
- إعادة التأهيل الاقتصادي – المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة.
- اللاجئون – المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة.
- الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية – الأمم المتحدة (الاوندوف ؟).
- يُسمح لكل دولة عضو بالانضمام إلى اللجان الفرعية والمساهمة في أنشطتها وفقًا لرغباتها.
الإيجابيات بالنسبة لإسرائيل : - إن إنشاء الآلية وتنفيذ مهامها من شأنه أن يزيد من احتمالات إعادة تأهيل واستقرار سوريا المستقبلية المعتدلة، التي لا تشكل تهديداً عسكرياً لإسرائيل ولا تكون منطقة تنطلق منها تهديدات نحو إسرائيل.
- الحد من تطلعات تركيا وتحركاتها كجزءمن آلية دولية بهدف الحد من تأثيرها السلبي في سوريا، والاستفادة من مساهمتها الإيجابية المحتملة على الصعيد الأمني .
- التقليل من خطر حدوث مواجهة سياسية وحتى عسكرية بين إسرائيل وتركيا بشأن المسألة السورية.
- الحد من نفوذ إيران وحزب الله المستقبلي في سوريا .
- ضمان استمرار وجود منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا، ولكن على ما يبدو فقط في مقابل الانسحاب من كل المنطقة العازلة التي أنشأتها إسرائيل بعد انهيار نظام الأسد، بما في ذلك في جبل الشيخ.
- السلبية – من الممكن أن يتم طرح طلب من بعض أعضاء الآلية لإدراج قضية الجولان والقضية الفلسطينية في المبادئ الأساسية للآلية. ويتطلب هذا الاحتمال تنسيقاً وثيقاً لإحباطه مع الولايات المتحدة، باعتبارها رئيسة الآلية.
الإيجابيات بالنسبة لسوريا : - الاعتراف (على الأقل بحكم الأمر الواقع) بالنظام الجديد ومصالحه.
- ضمان سيادة سورية واستقلالها.
- خلق التزام دولي وإقليمي متزايد لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في سوريا.
- منحها حق النقض الفيتو تجاه الآلية الدولية، ولكن مع بعض القيود على حرية العمل نظراً لضرورة التنسيق معها.
- تأسيس العلاقات بين سورية والولايات المتحدة والدول الغربية.
- استئناف العلاقات مع الدول العربية والعودة إلى العالم العربي.
الإيجابيات بالنسبة لتركيا : - الاعتراف بمصالحها ودورها في سوريا، بما في ذلك العسكري.
- تقاسم عبء تحقيق الاستقرار في سوريا.
- إعادة اللاجئين إلى سوريا.
- منع الاستقلال الكردي – السوري.
- تقليص نفوذ إيران في سوريا والمنطقة بشكل عام.
- السلبية – تقليص حرية عملها باعتبارها الطرف الأجنبي الرئيسي في سوريا اليوم.
إيجابيات للدول العربية (السعودية، الإمارات، قطر، مصر، الأردن) : - استقرار سوريا.
- تقليص الخطر الحقيقي لنشوء تنافس بين دول الخليج المختلفة في إطار جهود إعادة الإعمار في سوريا.
- الحد من النفوذ المتزايد لتركيا وقطر في سوريا (وهذا يشكل أمرا سلبيا بالنسبة لهما).
- تقليص / منع استئناف الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا.
- السلبية (بالنسبة لمصر والأردن) – استقرار نظام إسلامي.
الإيجابيات بالنسبة للولايات المتحدة :
- من شأن الآلية المقترحة أن تساعد في تعزيز دفع عملية واسعة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط (تعزيز العناصر المعتدلة وإضعاف العناصر المزعزعة للاستقرار)، بتأثير امريكي .
- الحد من خطر اندلاع أزمة دولية، قد تجعل من الصعب على الرئيس ترامب طرح قضايا ذات أهمية كبيرة حسب رؤيته .
- تحقيق الاستقرار في سوريا يندمج مع مجمل المساعي الرامية إلى زيادة الضغط على إيران واحتوائها.
- إن استقرار سوريا على أساس آلية دولية، بقيادة الولايات المتحدة، من شأنه أن يمنح رئاسة ترامب إنجازاً في وقت مبكر من ولايته، دون الحاجة إلى توظيف موارد أميركية كبيرة .
توصيات لسياسة – إسرائيل : - ينبغي البدء فوراً بحوار مع إدارة ترامب بهدف إقناعه بقيادة إنشاء الآلية الدولية لتشكيل سوريا واستقرارها، أيضاً لأن الرئيس لا يولي أهمية كبيرة لسوريا وأجندته مخصصة بشكل أساسي للقضايا الداخلية والمسائل الخارجية ذات الأفضلية العليا . ويجب التأكيد على أن هذا الاقتراح يشكل لبنة أساسية للعملية الاستراتيجية الشاملة التي يقودها الرئيس لتحقيق الاستقرار في المنطقة وإنشاء بنية أمنية إقليمية، واحتواء إيران وإضعافها، ودفع التطبيع السعودي الإسرائيلي إلى الأمام .
- ينبغي النظر إلى الخطوة المقترحة كجزء من سياسة شاملة لاستقرار ساحة الشمال ، ولذلك ينبغي بذل الجهود لإقناع الإدارة الأمريكية لتوسيع نطاقها لتشمل لبنان أيضاً، سواء كفكرة منفصلة أو كآلية مشتركة للساحتين.
- وفي موازاة ذلك، وبدون أي علاقة ، يجب المبادرة إلى حوار فوري وسري مع تركيا لتقليص احتمال الاحتكاك بينها وبين إسرائيل في سوريا، وفي هذا الإطار، إنشاء آلية/قناة (deconfliction ) لتجنب الصراع بين القدس وأنقرة.
[1] ساهم الباحثان في المعهد جاليا ليندشتراوس وكارميت فالينسي في صياغة ورقة السياسة.
[2] من أجل منع روسيا من العمل على إحباط إنشاء الآلية، سيكون من الضروري استبعاد قواعدها الموجودة على الأراضي السورية.
من منشورات معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي